بالطبع تمثل التعليقات التى يكتبها الشخص لتقييم تجربته، خاصة إذا ما كانت تتعلق بالسفر إلى بلد معين، مصدراً هاماً لدى السياح الأجانب، وكذلك الحال فى مصر، فبعد انتهاء الزيارة يُعتبر المنشور البسيط الذى يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعى آلية فعالة للتسويق السياحى إذا كان هذا المنشور إيجابياً ويشيد بالوضع، إلا أنه فى الحالة الأخرى (إذا كان المنشور سلبياً)، فإنه يمثل كارثة ستمنع أى صديق أو متابع لهذا المنشور من التفكير يوماً فى زيارة دولتنا.
ورغم تألمى الشديد للرأى المفجع الذى قرأته وقرأه الكثيرون لسائح، بعد تجربته فى زيارة لمصر لمدة 3 أيام، فإننى رأيت أنه أمر ضرورى يجب أن نناقشه لكى يضىء لنا ضوءاً أحمر ويضرب لنا جرساً مزعجاً حتى نفيق ونحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه حرصاً على صورة دولتنا أمام العالم.
قد يكون هذا السائح متجنياً فيما ذكر، ولكن كم كنت حزينة وأنا أقرأ هذه السطور التى اختصرها السائح فى عنوان «مصر خسارة فى شعبها!».
بالطبع يمكن تجاهل هذا المنشور السلبى وتصديق أنه مُتجنٍّ فى حكمه على بلدنا وعلى شعبنا، وقد يكون فى عدم التفاتنا إليه ما يريح بعضنا نفسياً، ولكن إذا أخذنا فى الاعتبار «الألف ومائة تعليق» على منشوره، والتى تتفق جميعاً مع رأيه، فإن ذلك يؤكد أنه لامس إما الحقيقة، أو على الأقل انطباعاً عند شريحة كبيرة، ويجب أن تنتبه الحكومة لذلك وتعمل على إصلاح نقاط الضعف التى ذكرت منهم جميعاً. مثل هذه المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعى واسعة الانتشار ومدمرة لسمعة وحضارة واقتصاد بلاد، كما أن لها دوراً كبيراً فى تشكيل انطباعات الأجانب عن الدول، وقد تمثل حاجزاً أمام قضاء عطلة فى مصر.
أذكر أن نائباً فى مجلس النواب المصرى وزميلاً قديراً تحدَّث يوم افتتاح البرلمان هذا العام عن أهمية إعادة إبراز وبناء تكوين الإنسان المصرى.. هذا الإنسان الذى قد يكون قد انخفضت قدراته بتصرفات غير مقصودة وتسبب فى رسم صورة أخلاقية مغلوطة وقد تكون سيئة عن تعامله مع الزائرين، وتسبب ذلك فى انطباع سيئ للغاية لآلاف السائحين الذين زاروا بلدنا.
دولة المجر حينما قررت وضع رؤية جديدة لتضع نفسها على الخريطة السياحية العالمية منذ سنوات، قررت تدريب جميع العاملين المجريين الذين يتعاملون بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع السائح أو الزائر، فتم تدريب البائعين فى الأسواق والبازارات، عمالة المطاعم، سائقى التاكسى، مرشدى السياحة وحتى العاملين فى مكاتب المعاملات العقارية على التعامل الهادئ بترحاب مع السائحين مع تنوع ثقافاتهم وعلى التعامل باللغة الإنجليزية، والآن أصبح لدى هذه الدولة ذات تعداد الـ١٠ ملايين نسمة، ما يزيد على ١٥ مليون سائح سنوياً.
هل فكرت الحكومة، متمثلة فى وزارة السياحة، فى التعاون مع المؤسسات والمجتمع المدنى من أجل تدريب أصحاب الجمال فى الهرم والبائعين فى محال خان الخليلى والسائقين وغيرهم؟ لم يحدث أن سمعنا عن ذلك، وها هى النتيجة: معاملة غير لائقة مع بعض السياح تتسبب فى نفورهم وتترك انطباعاً سلبياً عن الدولة يتسرب إلى نفوس الآخرين.
بالطبع عملية التدريب وتأهيل المواطن ليست مسئولية مؤسسة أو وزارة واحدة فقط، بل مسئولية متكاملة لجميع القائمين على هذه الدولة، وبالأخص الوزارات التعليمية والثقافية والأزهر والكنيسة والسياحة والآثار والداخلية والمحليات وغيرهم، والمجتمع المدنى.. ولكن يجب أن يقود المايسترو الفريق لتُعزف السيمفونيات.
ولكن وبكل صراحة، الصراحة التى هى طوق النجاة الوحيد لنا الآن، الأهم من الحكومة هو استيعاب الشعب لما وصلنا إليه.. نحن الواجهة لبلدنا، ونحن من نعطى الانطباع الأكيد من خلال تعاملاتنا مع ضيوفنا.. المصريون عُرفوا بالشهامة والجدعنة والابتسامة... صفات علَّها اختفت بعض الشىء نتيجة ضغوطات الحياة اليومية وما نتج عنها.
كنت الأسبوع الماضى فى زيارة مع عائلتى إلى دولة فى قارتنا السمراء. وبالرغم من صغر حجمها وضعف إمكانياتها بالمقارنة بمصر، فإن زيارتنا انتهت بانطباع إيجابى للغاية ولم نترك صديقاً ولا قريباً دون التحدث عن التجربة التى أسعدتنا كثيراً. مكثنا ٤ أيام وقمنا بزيارات سياحية وزيارة خارج العاصمة أيضاً.. البلد ليس مبهراً، ما هو مبهر هو أدب ولطف ولياقة شعبها.. ما هو مبهر هو نظافة الشوارع والأماكن بالرغم من بساطتها.. ما هو مبهر هو شعور الانتماء الفياض الذى نقله إلينا البائعون فى البازارات والمحلات وسائقو التاكسى.. ما هو مبهر ما قاله لنا سائق تاكسى: «لن نستكين حتى يصبح بلدنا أعظم وأنظف بلاد العالم!!». والجدير بالذكر أنه هنا كان يعلق بكل فخر على يوم النظافة الذى يتقرر كل شهر ويشارك فيه الملايين فى الشوارع فى حملة لتنظيف دولتهم.. وقد صادف أن هذا اليوم جاء فى وسط زيارتنا. والجميل فى كل هذا أنهم عندما يعرفون أننا مصريون تكون فرحتهم غامرة ويبدأون فى الحديث عن انطباعاتهم الإيجابية جداً عن مصر، التى كوّنوها من آثار القوة الناعمة المصرية، ويتصورون دائماً مصر التى يرونها فى أفلامنا الأبيض فى أسود.. مصر رشدى أباظة وفاتن حمامة، مصر أم كلثوم وعبدالحليم!! هل يعرفون أننا أصبحنا مصر محمد رمضان وشعبان عبدالرحيم؟؟ لم أبذل مجهوداً فى تحديث معلوماتهم، وفضّلت أن يحتفظوا بتلك الصورة المعبرة عن مرحلة الأبيض وأسود.
خلصت من هذه التجربة بأن مفتاح نجاح أى دولة وتنميتها هو الانتماء للوطن الذى يخلق الإرادة للتنمية والإصلاح.
أعلم أن عملية إعادة إبراز وبناء ورسم ملامح أساسات الإنسان المصرى صعبة، إلا أن بلادنا عريقة وعظيمة وشخصية مواطنيها وطباعهم الأصلية يمكن إعادتها مرة أخرى، من خلال إيماننا كشعب بأنفسنا وبلدنا وبدورنا وما نمثله من ثقافة وتاريخ وقيام المسئولين بالعمل على هذا والاتجاه إلى التعليم والثقافة للبحث عن المعدن الأصيل للمواطن المصرى، وإزالة أى أتربة التصقت به مؤخراً.
بلادنا لديها ثلث آثار العالم، وشاهدة على ٧٠٠٠ عام من التاريخ، فضلاً عن الشواطئ التى أنعم الله علينا بها، ناهيك عن المقاصد الدينية وغيرها، بما يؤكد أن لدينا فرصة كبيرة لنحتل مكانة متقدمة فى السياحة العالمية، ولكن ينقصنا أن نسترجع أخلاقياتنا الراقية والتى طالما عُرف المصرى بها، وتكون لدينا فلسفة التعامل مع بعضنا ومع السياح، وذلك سوف يأتى بالتدريب والثقافة والاهتمام بالانطباعات التى يتلقاها الآخر عنّا.
لا أنتقد وضعاً نحن فيه، فالجميع يعلمه، ولا أوجه أصابع إشارة بالتقصير لأحد، فهذه مسئولية تضامنية للكل، ولكن أردت أن أشارككم الرأى، لعل أحداً منا يكون لديه ما يفيد بلدنا... وأتمنى أن لا تكون مجرد سطور، ولكن ربما بداية لصحوة شعب، لأفكار وعزم الشباب، لانتماء وحماس المواطن، لتشريعات برلمانية، لأجندة متفاعلة حكومية لنظام، وإنفاذ حاسم من الجهات الأمنية لرؤية تأهيل وتثقيف وتعليم وتدريب من الوزارات المعنية.