في ذكراه الـ117.. مراحل مر بها المتحف المصري قبل استقراره في التحرير
المتحف المصري في التحرير
117 عامًا مرت منذ افتتاح المتحف المصري للتحرير في 15 نوفمبر سنة 1902، إلا أنه قبل وصوله للتحرير في قلب القاهرة، مر بعدة مراحل في أماكن مختلفة، ربما تكون محاولات نحو الوصول للشكل النهائي للمتحف المصري الذي يقف شاهدًا منذ ذلك الحين شاهدًا على أحداث جسام مرت من أمامه.
في عام 1835 تم إنشائه وكان موقعه حينها في حديقة الأزبكية، وكان يضم عددا كبيرا من الآثار المتنوعة، حيث أصدر محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك مرسوما يقضي تأسيس موقع لخدمة الآثار وهي هيئة الآثار المصرية، والمتحف المصري الذي أنشئ خصيصا لمنع سرقة الآثار المصرية وسفرها للخارج، فعملت هيئة الآثار على تجميع الآثار وحفظها في مبنى صغير في حديقة الأزبكية ثم تم إلحاقه بمدرسة الألسن.
وفي عام 1848 كلف محمد علي باشا لينان بك وزير المعارف بوضع بيان شامل عن المناطق الأثرية وإرسال الآثار المهمة إلى المتحف المصري، ولم يكلل هذا العمل بالنجاح بسبب وفاة محمد علي باشا عام 1849، والتي تلاها اضطراب الأمور وعادت ظاهرة الإتجار في الآثار إلى الظهور، وأخذت المجموعة التي كان يضمها المتحف الذي أقيم في الأزبكية في الانكماش حتى تم نقلها إلى قلعة صلاح الدين في صالة واحدة، وزاد الأمر سوءًا بإهداء الخديوي عباس الأول محتويات تلك الصالة كاملة إلى الدوق مكسميليان النمساوي أثناء زيارته القلعة.
وانتقل المتحف إلى بولاق حيث تم تأسيسه بواسطة عالم المصريات الفرنسي ومدير قسم الآثار الفرنسي أوجست ماريت على شاطئ النيل عند بولاق سنة 1858 ولكن للأسف بسبب فيضان النيل، تعرضت كثير من القطع الأثرية للغرق وبسبب الفوضى سُرق الكثير منها، إلى أن أصدر الخديوي عباس أوامره إلى المديريات بفرض رقابة شديدة على الأجانب والمصريين الذين كانوا يقومون بسرقة الآثار وإخفائها وبيعها.
وتحول مبنى أوجست في 5 فبراير 1859 إلى متحف عند اكتشاف كنز الملكة إياح حتب بمنطقة دراع أبو النجا بطيبة، إلا أنه تعرض لفيضان النيل في عام 1878 فغمرت المياه قاعات المتحف لدرجة أن مجموعة من المعروضات ذات القيمة الفنية العلمية فقدت.
وفي 1889 وصل الحال بالمبنى الذي يحوي مجموعات الآثار إلى ذروة ازدحامه، حيث لم تعد هناك حجرات كافية سواء في قاعات العرض أوالمخازن للمزيد من الآثار، وكانت الآثار التي يعثر عليها خلال الحفائر تترك في مراكب بمصر العليا لفترات طويلة، أدى هذا الوضع المأساوي إلى تنازل الخديوي إسماعيل عن أحد قصوره بالجيزة في المكان الذي تقع به حديقة الحيوان الآن، ليكون المقر الجديد للمتحف، منذ عام 1891. ثم تم نقل المتحف المصري لموقعه الحالي بالتحرير عندما جاء عالم المصريات جاستون ماسبيرو، وافتتح عام 1902 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني مبنى المتحف الجديد في موقعه الحالي في ميدان التحرير.
وبدأت عملية النقل من مارس 1902، حيث نقلت المجموعات الأثرية من قصر الخديوي إسماعيل بالجيزة إلى المتحف الجديد وهي العملية التي استُخدم خلالها خمسة آلاف عربة خشبية، أما الآثار الضخمة فقد تم نقلها على قطارين سيرا ذهابا وعودة نحو تسع عشرة مرة بين الجيزة وقصر النيل.
وحملت الشحنة الأولى نحو ثمانية وأربعين تابوتا حجريا، تزن ما يزيد على ألف طن إجمالا، إلا أن عملية النقل شابتها الفوضى بعض الوقت، وتم الانتهاء منها في 13 يوليو 1902، كما تم نقل ضريح مارييت إلى حديقة المتحف، تلبية لوصيته التي عبر فيها عن رغبته في أن يستقر جثمانه بحديقة المتحف مع الآثار التي قضى وقتا طويلاً في تجميعها خلال حياته وفي 15 نوفمبر 1902 تم افتتاح المتحف المصري رسميا، ليستقر هناك حتى اللحظة.