في ذكرى ميلاده.."الوطن" في مركز "مجدي يعقوب": هنا يداوي قلوب الأطفال
مركز مجدي يعقوب للقلب
بمجرد ذكر اسم البروفيسور مجدي يعقوب، تنتبه الآذان وتثار في أذهان الكثير ذكريات شتى على أعتاب غرفة العمليات، ترك بأصابعه ومشرطه بصمات أحيت قلوب آلاف الأطفال وأعادت الأمل لذويهم، فاستحق بجدارة لقب "سلطان القلوب"، ذلك الطبيب الثمانيني الذي ارتقى بإنسانيته من جراح ماهر حتى أصبح أبا حنونا وجدا صبورا ومعلما لا يبخل بعلمه على تلاميذه، وطبيبا عطوفا يعرف جيدا كيف يحول مرارة الألم إلى فرح بالصبر واليقين.
لا يزال المصريون يحتفلون بذكرى ميلاد الجراح مجدي يعقوب، الموافق 16 نوفمبر، حتى تصدّر اسمه اليوم موضوعات محرك البحث العالمي جوجل، وتعيد "الوطن" نشر تفاصيل يوم قصته في مملكة "أمير القلوب" مركز مجدي يعقوب للقلب بأسوان، تلك المكان الذي يداوي فيه البروفيسور أوجاع الأطفال.
شارع جانبي بمنطقة "السيل" في أسوان أضحى قبل سنوات قليلة وجهة الآلاف من مرضى القلب وأسرهم الوافدين من أقصى الشمال إلى الجنوب، جاءوا إليه مهرولين تتضارب داخلهم مشاعرهم بين الخوف والأمل يجدون فيه المنقذ الوحيد والمعالج للحالات المستعصية والطبيب الإنسان.
مرورا ببوابة المستشفى الجامعي بمحافظة أسوان، يقع مركز مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب في الواجهة، أحاديث جانبية بين أهالي المرضى المنتظرين موعد الزيارة بالخارج تختلط ببعضها البعض منهم من جاء من الشمال مسافرا قاصدا هذا المكان دون غيره ومنهم من يسكن أطراف المحافظة، أحدهم ارتفع صوته وهو يتحدث في هاتفه المحمول، بنبرة تعكس ما بداخله من مشاعر أمل رغم الخوف على والده الراقد بالداخل: "لفينا مستشفيات كتير وقالولنا الدكتور مجدي يعقوب هيعالجه بإذن الله".
الرجل الأربعيني الذي جاء من الشمال وتحديدا من محافظة الشرقية تحدث لـ"الوطن" عن رحلة بحثه التي ترجع لشهور طويلة عن علاج لوالده في عيادات الأطباء في محافظتهم وفي العاصمة أيضا، إلا أنّهم وبعد سعي وفحوصات طبية عدة استقروا إلى مركز الدكتور مجدي يعقوب بأسوان: "والدي بيعاني من مشاكل في القلب من فترة طويلة ودكاترة كتير نصحونا نيجي هنا والحمدلله بيطمنوني عليه والناس هنا مش مقصرة أبدا".
على يسار البوابة المؤدية إلى المركز وقفت صفاء حمدي سيدة أربعينية، بصحبة ابنتها التي لا تتجاوز العاشرة من عمرها، تردد دعاءً مستمرا لا ينقطع لعمها الذي انتقل إلى المركز قبل 3 أيام فقط إثر تعرضه لأزمة قلبية مفاجأة.
السيدة التي جاءت قبل موعد الزيارة المقرر في الخامسة عصرا تترقب بلهفة لحظة الدخول، جاءت من مدينة إدفو الكائنة في شمال أسوان للاطمئنان على عمها ومساندة أبنائه، وفي حديثها وصفت المعاملة بالمركز بـ"المعاملة الأفضل على الإطلاق" فلا مجال للوساطة ولا الإهمال في حق أحد المرضى: "عمل قسطرة في القلب وبيطمنونا عليه أول بأول"، استكملت السيدة الأسوانية حديثها معتبرة مركز الدكتور مجدي يعقوب هو الأمل لمن استعصت حالته من مرضى القلب، حسب تعبيرها.
صفاء: هنا مفيش واسطة ولا مجاملات الكل بيتعامل باحترام
6 أشهر كاملة قضتها أمل بصحبة زوجها بين عيادات أطباء القلب بحثا عن تشخصيا نهائيا لحالة زوجها الذي داهمه التعب فجأة ورغم بعد المسافة بين العاصمة وأسوان، استقرت الأسرة على السفر أملا في الشفاء فاتخذوا قرارهم وجاءوا إلى هنا: "لقينا المكان زي ما سمعنا عنه من الناس، احترام وأحسن استقبال واهتمام طبي كبير"، حسب تعبيرها.
استقر التشخيص النهائي لحالة زوج السيدة القاهرية على إجراح عملية قلب مفتوح، وفي حديثها أكدت أن الإجراءات كلها كانت تسير بسرعة واهتمام كبير،"هنا محدش بيجي وبيرجع من غير حل وحقيقي المركز بينقذ حياة عيلة".
علاج المريض والأدوية الخاصة به وإقامة أحد المرافقين له يقدمها المركز لزائريه مجانا بالكامل، لافرق هنا بين موظف بسيط ومهندس أو طبيب، الكل يلقى ترحابا شديدا من العاملين بالمكان الذي أضحى أحد معالم محافظة أسوان ، لا وساطة في القبول أو العلاج يوفر عمليات جراحية مختلفة في القلب بواسطة "البروفيسور" كلما يقلبه الجميع وفريق متخصص من أطباء وطاقم تمريض جميعهم يعملون على مدار اليوم لراحة المرضى وطمأنة قلوب ذويهم.
درجات سلم قليلة يقطعها زائر الصرح الطبي الكبير إلى المدخل ليجد في استقباله إداريون على درجة عالية من التعاون يرشدون الداخل إلى حيث مقصده، رائحة التعقيم تفوح بأرجاء المكان، هدوء تام يسيطر على المركز الذي ينقسم إلى أقسام مختلفة رعاية مركزة للأطفال ورعاية للكبار وقسم فندقة أطفال وفندقة كبار لقضاء فترة النقاهة به، إلى جانب قسم رعاية قسطرة القلب والعيادات الخارجية وقسم للبحث العلمي وغرفتين للعمليات وغرفتين للقسطرة.
غرفة للعب للأطفال المرضى لدعمهم نفسيا وإرشادات طبية لأمهاتهم
اكتست ألوان القسم الخاص بالرعاية المركزة للأطفال بألوان مبهجة من أجل الصحة النفسية للمرضى به وذويهم المصاحبين لهم، إلى جانب حالة البهجة التي يشعر بها المار في هذا الدور خصصت إدارة المركز غرفة للعب والترفيه للأطفال المرضى تحمل إسم غرفة اللعب أو"playing room".
داخل غرفة اللعب يقضي عشرات الأطفال المرضى ساعات من أوقاتهم للترفيه بمصاحبة أمهاتهم، وضعتها الإدارة للتخفيف عنهم، هنا ارتفعت ضحكات أحدهم في لحظة فرح عاشها بصحبة والدته وأحد أفراد التمريض، وهنا أيضا تعلّمت الأمهات إرشادات توعية للتعامل الصحيح مع أطفالهن عقب إجراء العملية من خلال اللوحات الإرشادية المعلقة بالحجرة.
"تعقيم ببرونات الأطفال وطرق العناية بالجرح".. لوحة إرشادية معلقة داخل غرفة اللعب لتعليم الأمهات المصاحبين لهم كيفية التعامل الصحيح مع الطفل عقب إتمام عملية جراحية، حرصت إدارة المركز على وضعها من أجل رعاية متكاملة للأطفال وضمان عدم تعرضهم إلى أي عدوى أو ميكروب.
بعيدا عن الإرشادات الطبية ورائحة الدواء والتعقيم، تفوح جدران الغرفة ذات الألوان المبهجة والألعاب المتناثرة في أركانها، برائحة براءة الأطفال المرضى الذين قرروا التعبير عن مشاعرهم للدكتور مجدي يعقوب على طريقتهم الخاصة، فكتبوا له بأصابع الصغيرة خطابات حب، ورسموا له رسما يعبر عما بداخلهم ناحيته معلقين كل هذا على لوحة مثبتة بأحد الجدران: "شكرا للبروفيسور..شكرا للإنسان الطيب".
المركز يستقبل حالة مرضية من أفريقيا كل شهر وبعثات طبية للتدريب
مركز مجدي يعقوب ليس فقط ملاذا آمنا لمرضى القلب في أنحاء الجمهورية،بل أيضا لكثير من المرضى في قارة أفريقيا، إذ يستقبل شهريا حالة مرضية من إحدى دول القارة السمراء تتلقى علاجها بالكامل حتى الشفاء والعودة إلى حيث جاءت، حسب ما أكد مسؤول بالمركز رفض ذكر اسمه، بالتنسيق مع جمعية سلاسل الأمل الخيرية والتي أسسها البروفيسور في إنجلترا.
يستقبل المركز منذ فترات عدة وبموجب التعاون القائم مؤخرا مع الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بعثات لكوادر طبية من دول أفريقيا يتلقون تدريبات متخصصة في مجال جراحات القلب، تستمر حسب قول المصدر المسؤول من 3 أشهر إلى نحو عام حسب التخصص والاتفاق لدعم الأشقاء الأفارقة في مجال علاج أمراض القلب لتصبح عاصمة الشباب الأفريقي حاضنة لأبناء القارة في شتى المجالات ونواحي الحياة.