في ميلاد "الكابو".. حميد الشاعري.. بصمة موسيقية ليس لها "وطن محدود"
الفنان حميد الشاعري
دائماً ما يقال إن "صاحب بالين كذاب"، و"7 صنايع والبخت ضايع"، لكنه أثبت العكس تماماً، وأكد أن الموهبة الحقيقية لن يقدر أحد على عرقلتها أو الوقوف أمامها أياً كان، وأصبح رمزاً بل أيقونة مؤثرة في جيل الثمانينات والتسعينات، حيث نجح في تقديم موسيقى مختلفة ميّزته وأبناء جيله في هذه الفترة، كـ "موزع وملحن ومغني"، إنه حميد الشاعري، الذي ولد في مثل هذا اليوم 29 نوفمبر 1961.
"إفساد الذوق العام"، تهمة لاحقته فترة ليست بالقليلة مع بداية مشواره الفني، ولكنه دائماً اعتاد ألا يلتفت إلى أحد، إذا وقع ينهض سريعاً، يجعل من الفشل "عصا سحرية" للنجاح، يسير بخطى ثابتة، حاملاً أحلامه، حاضناً جيتاره، موزعاً موسيقاه الجريئة، التي لاقت رواجاً بين الشباب في هذا التوقيت، وعاشت معهم حتى هذه اللحظة.
موسيقى "الشاعري" عرفت طريقها إلى أذن الجماهير من قطاع الشباب في هذه الفترة الزمنية بسلاسة، نغماته لا تضل طريقها للوصول إليك، تسكن داخل قلبك، وعندما يُغني بصوته، يأخذك معه في عالم أخر، بحنين يردد "لمّا تقابل واحد صاحبك واحشك، ماتسلمش بس عليه، احضنه جامد"، لم يكتفِ بذلك، "ولمّا تكون مع شِلة أصحابك، اتصور على قد ما تِقدر، عشان لمّا ملامحك تِكبر تلاقيهم وياك"، وعندما يريد أن يخطفك بشقاوة تردد معه، "على مين قلبي مايل على مين، غِيرك إنتِ"، وتقفز معه بأريحية "جلجلي، جلجلة، صهللي، صهللة".
حميد الشاعري، وُلد لأب ليبي، وأم مصرية، ترجم عروبته وجعلها تظهر جلياً عند توزيعه الأوبريت الوطني "الحلم العربي"، الذي تغنى به أشهر مطربي الوطن العربي وقتها، "جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما، يقدر شعاع النور، يوصل لأبعد سما.. ده حِلمنا، طول عمرنا حضن يضمن، كلنا كلنا".
"أنا مهما كبرت صغير، أنا مهما عليت مش فوق.. مهما الأيام تتغير مانستش إن أنا مخلوق"، بصوته غناها حميد الشاعري، وبسببها قرر عمرو دياب، أن يعيد غناءها من جديد، وهو أمر لم يفعله مع أحد من قبل، وفي إحدى حفلات التليفزيون المصري، وقف الهضبة، يردد "ياعيون بالحب توافي، فاتت أيام وسنين فاكرين العمر الدافي شايلين في القلب حنين..ومهما نقول مش كافي، بقلوبنا إنتم عايشين"، وعلى الجانب الآخر من المسرح، كان يجلس حميد الشاعري، أمام البيانو، يعزف ألحانه، لتبقى ذكرى خالدة في عقولنا وقلوبنا، بعد نجحاهما سوياً في أغنية "نور العين".
"كابو"، يقال أنها تعني القيادة، والاختلاف، وهو الشخص الذي يحترمه الجميع، والذي يُلهب حماس من حوله، وهو لقب حصل عليه حميد الشاعري، من أصدقائه وجمهوره، واختاروا أن يكون هو "كابو" هذا الجيل.. لم يتخل يوماً عن منظره الشبابي، يظهر في غالبية أغانيه ولقاءاته التليفزيونية، مرتدياً الملابس الكاجوال، لم يترك الابتسامة تغيب عن شفتيه، "بشوشاً" طوال الوقت.
نشأته وسط عائلة بها عدد كبير من الأفراد، جعلته عاشق لـ"اللمة"، التي خلقت أُلفة بينه وعدد من المطربين، وأصبح مع بعضهم، أبناء تجربة واحدة، وقدّم "دويتو غنائي" مع غالبيتهم، سواء بالغناء، أو بالظهور بصحبة جيتاره في "الفيديو كليب".
مع سيمون، "بتكلم جد.. ماتقولش لحد"، ومع مصطفى قمر، "لو الهوى يِنباع كنت أروح وأودى..لو الهوى بياع، قلبي يدوب في ودي"، ومع هشام عباس، "لا كان على الخاطر..لا كان فى النية..أعشق وأنا الشاطر..تسهر كدا عينيا"، وسبقها "الحلوة أم الضفاير، ماشية والشعر طاير".
ومع الجيل الجديد قدم محمد قماح، "ويلي ياسنيني عودي، ولو ثواني بقي في الخيال..ويلي ياسنيني عودي، واحشني تاني لعب العيال".
سنوات كثيرة، تربع فيها حميد الشاعري، وسيطر على سوق الكاسيت، سواء بـ"ألبوماته، أو ألحانه وتوزيعه" لأعمال كثير من النجوم، وقدرته على إعادة توزيع أغاني زمن الفن الجميل وتقديمها لأجيال جديدة بشكل جرئ ومختلف، أبرزهم الموسيقار فريد الأطرش، في ألبوم تجنن يافريد، "هِزي يا نواعم خصرك الحرير..خلي الشعر الناعم مع الهوى يطير".
اختلافه في الموسيقى، تجاوز كل الحدود، في فيلم قشر البندق، يفاجئك بتلحين وتوزيع "الكُحة" لأبطال العمل، تدندن النغمات دون كلمات، ويجعلك ترقص على "قلب البندق حبوه..قِشر البندق يرموه..هأ أأأو".
الموسيقى والغناء عند "الكابو"، لا ترتدى "الكرافت"، بل حرة طليقة، تقوم على الضحك واللعب والإحساس المرهف، ليس لها "وطن محدود"، تجعلك تشعر معها بـ "نسمة صبا"، وبأنك "أجمل من كل البشر".