رحل شعبان عبدالرحيم فجأة، مثلما ظهر فجأة. نجح شعبان وحقق نجومية طاغية قبل عصر السوشيال ميديا واليوتيوب، تحول لظاهرة استطاعت أن تجد لنفسها مكاناً بين الكبار، أغانيه البسيطة وجملته اللحنية الثابتة كانا الجناحين اللذين حلق بهما بعيداً عن الآخرين. من يصدق أن «مكوجى رجل»، تصل أغانيه لإسرائيل، فتعترض عليها وتسعد بخبر رحيله، ولمَ لا وهو أكتر من عبّر عن شعور المصريين تجاههم بأغنيته الخالدة «أنا بكره إسرائيل»؟! وليست هذه الأغنية وحدها التى صنعت نجومية «شعبولا» كما كان يحب أن يطلق عليه، هناك أغنيته الشهيرة «هبطل السجاير»، تلك الأغنية التى حققت نجاحاً كبيراً جعلت جميع فئات الجمهور تتفاعل معها، ولو أن النجاح كان يقاس وقتها باليوتيوب، فمن المؤكد أن تلك الأغنية كانت ستتجاوز المليار مشاهدة، ظن البعض وقتها أن نجاح هذه الأغنية صدفة، وأنه سرعان ما سيختفى صاحبها، مثلما حدث مع كثيرين غيره من أصحاب الأغنية الواحدة، ولكنه أدهش الجميع بعد أن جمع بين كراهية إسرائيل وحب عمرو موسى فى أغنية واحدة، كان أول مطرب فى التاريخ يغنى لوزير خارجية دولة ويتجاهل رئيسها! جاء شعبان ومؤلف أغنياته «إسلام خليل» بفكرة لم تقدم من قبل، قالها بمنتهى الصدق والعفوية: «أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى» ليعبرا وقتها عن شعور الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى.
بالتأكيد تركت هذه الأغنية انطباعاً سلبياً داخل حسنى مبارك وقتها، فشعبية عمرو موسى وقت تقديم هذه الأغنية كانت كبيرة، وربما تكون هذه الأغنية واحدة من أسباب إزاحة عمرو موسى عن كرسى وزارة الخارجية المصرية، وترشيحه كرئيس لجامعة الدول العربية، كما تردد وقتها. كان الناس يحلمون فى تلك الأيام بأن يكون عمرو موسى رئيساً لمصر، ولخّص شعبان هذا الشعور فى جملته الشهيرة «وبحب عمرو موسى».
عاش شعبان سنوات عمره وهو مرتكز على نجاح أغنيتين فقط قدمهما خلال مشواره الذى تجاوز العشرين عاماً، بدأها بـ«كداب يا خيشة» وأنهاها بأغنية يهاجم فيها الهارب محمد على بعنوان «الشعب المصرى وجيشه إيد واحدة». حاول الكثيرون الاستفادة من نجاح شعبان ونجوميته فى بدايته، عن طريق ضمه لأعمال فنية عديدة، سواء كانت مسرحية أو درامية، أو حتى سينمائية، ولكن تبقى تجربته مع المخرج الكبير داود عبدالسيد فى فيلم «مواطن ومخبر وحرامى» هى الأكثر بريقاً وتوهجاً، ظهر شعبان خلال أحداث الفيلم على فطرته، كانت تجربته الأولى مع الكاميرا، ولكنه نجح وكأنه ممثل محترف فى أن يسرق الكاميرا من جميع أبطال الفيلم، سواء خالد أبوالنجا أو هند صبرى أو حتى صلاح عبدالله، لم يكن شعبان يجيد القراءة والكتابة، وحفظ مشاهده بالفيلم عن طريق التلقين، ولكنه مع ذلك أدهش المخرج الكبير داود عبدالسيد، الذى قدم فى الفيلم معالجة عبقرية للعلاقة التى تجمع كلاً من المواطن والمخبر والحرامى، فى إشارة واضحة للحياة الاجتماعية والسياسية فى مصر وقتها.
رحل شعبان عبدالرحيم بكل ما حققه من نجاح، وحزن الجميع على رحيله، لأنهم صدقوا ما قدمه، لم يخدعهم ولم يحاول أن يتصنع شيئاً لا يوجد فيه، ظل ذلك «المكوجى» البسيط الذى سانده الحظ ليكون «مطرباً»، حتى وإن لم يكن صوته جميلاً، وحتى لو كانت جميع أغانيه تحمل تيمة موسيقية واحدة!