لو افترضنا أن للدول مناعة وقوة تتحصن بها ضد أعدائها، فإنها حتماً تكون فى مواطنيها الذين يعملون بكد ويجتهدون من أجل رفعة بلادهم ووصولها إلى بر الأمان، وهى كأى جهاز مناعى معرَّض للإصابة بأمراض قد تجعله يهاجم ما يقوم بحمايته، وهو ما يحدث عند مواجهة «الشائعات» التى يطلقها مجهولون لاستغلال حدث ما واللعب على مشاعر المواطنين فى تلك اللحظة، والعبث بعقولهم بتفاصيل وأخبار وصور أغلبها مفبرك أو مزيف.
الأسبوع الماضى ناقش مؤتمر «وسائل التواصل الاجتماعى» قضية الشائعات.. كيف تُصنع وسبل المواجهة؟ وشرفت بحضوره ضمن نخبة من الخبراء والمتخصصين، تمتع المحاضرون فيه بقدر عالٍ من التميز والاحتراف فى شرح أسباب الظاهرة والطريقة المثلى للتعامل معها والتى لخصها الكاتب والروائى الدكتور نبيل فاروق، صاحب سلسلة «رجل المستحيل» الشهيرة، بكلمات لافتة وهى أن «الشائعات تواجَه بالمعلومات لا بالمنطق»، مقسماً الشائعات إلى ثلاثة أنواع: «المتفجرة» والتى تظهر مرة واحدة دون سبب، و«الغائصة» التى تختفى وتظهر من حين لآخر، و«الزاحفة» التى تزحف فى كل المجتمع وهى الأخطر، وأعطى مثالاً لشائعة غير منطقية وكيف صدّقها الناس وتداولوها بينهم، ذات مرة أشاعوا أن الفنان الكوميدى محمد صبحى مسيحى وليس مسلماً. ورغم عدم منطقية الشائعة، كان الغريب فى الأمر محاولة المواطنين تفسير ذلك بأن والدة الفنان محمد صبحى لم يكن يعيش لها أبناء، فاضطرت إلى تسميته «محمد» حتى يعيش، هكذا تدار حرب الشائعات من أجل زراعة الشك فى نفوس المصريين نحو أى قضية وأى موضوع ونحو بلدهم.
الملاحظ أن جدول الجلسات كان متميزاً، وهو ما يعكس الجهد الذى بذله راجى عامر، المنسق العام للمؤتمر، من أجل أن يخرج بهذه الصورة التى شخّصت القضية تشخيصاً سليماً، إذ إن التزييف وصل إلى قدر كبير من العمق، فلم يعد يقتصر على نشر أخبار كاذبة، بل فهموا جميعاً قدر الصورة وتأثيرها، فباتوا يتلاعبون بالصور والفيديوهات مستخدمين الذكاء الاصطناعى لخدمة أغراضهم وإعادة تقديم اللقطات الثابتة أو المتحركة بما يثير الفتن ويزيد من الاشتباكات ويريق الدماء، وهو ما عرضه الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، بحرفية شديدة، طارحاً أمثلة عديدة فى كل دول العالم لوسائل التزييف بالصور والفيديوهات، بما يستوجب تدريب القائمين على وسائل الإعلام على آليات التحقق من كل ما يتم الترويج له على منصات التواصل الاجتماعى.
بعض المعلومات التى قالها الكاتب الصحفى محمود مسلم رئيس تحرير جريدة الوطن، مهمة للغاية وترشدنا إلى كثير من فهم طريقة سريان الشائعة فى مصر التى يمتلك نحو 34.5 مليون مواطن فيها حسابات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وهو ما يعكس كيفية تفاعل المصريين مع الأحداث والأخبار التى قد تحمل رسائل مغرضة وكاذبة عبر العالم الافتراضى، فى ظل معاناة المجتمع من غياب الوعى، إذ تتراوح أعداد الدجالين والمشعوذين من 300 إلى 500 ألف دجال، أى ما يعادل دجالاً لكل ١٢٠ ألف مواطن. نقاط مهمة تناولها المؤتمر تجعلنا جميعاً نفكر فى طرق جديدة يجب اتباعها عند التعامل مع كل خبر أو صورة أو فيديو يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعى، وعلينا أن نجاهد أنفسنا ونكبح جماح رغباتنا فى «الشير» و«اللايك» قبل التحقق والتأكد من كل ما يتم طرحه فى ذلك العالم الافتراضى، أو بمعنى أكثر دقة «شوية تفكير قبل الشير».