إطلاق الكلمات البذيئة والألفاظ النابية، عادة ما ترتبط عند بعض الأشخاص بالإهانة والخروج عن الآداب العامة، فيما يجدها آخرون أنها تعبير عما يشعرون به من غضب، ورغم نهي الأديان السماوية عن قولها إلا أن التفسير النفسي جعل منها فوائد صحية في بعض الأحيان.
والكلمات البذيئة المعروفة بـ"الشتائم" تعني في قاموس اللغة العربية بالسب والإهانة، ولكل بلد قاموس خاص بها منه وفقا لعوامل مختلفة سواء اجتماعية وثقافية ودينية، وبالنسبة لمصر عادة ما ترتبط مفردات الألفاظ النائية بأمور تمس الجنس والكره والدين والتشبيه بالحيوانات، ووصف المؤرخ ابن إياس، أحد أشهر المؤرخين في العصر المملوكي، المصريين بحبهم لترديد الشتائم، قائلا: "إن المصريين طويلو الألسنة كثيرو التندر".
دراسة بريطانية كشفت أن السباب له تأثير على تخفيف الآلام
وبتسليط الضوء على البعد النفسي للأشخاص المحبين لإطلاق الكلمات البذيئة، كشف بحث يعود بداية إجرائه إلى عام 2009، أن السباب يمكن أن يكون له تأثير على "تخفيف الألم"، وذلك بعدما كشف عنه ريتشارد ستيفنس، من جامعة كيلى بالمملكة المتحدة، بالمؤتمر السنوى للجمعية البريطانية للعلوم النفسية، تحت عنوان "تأثير السباب فى تعزيز قوة وقدرة الإنسان".
جاء ذلك كجزء من ندوة حول "تقييم فاعلية وجدوى التدخل بالتعبير عن المشاعر".. وفى هذه الدراسة أجرى ستيفنس وفريقه تجربتين، فى الأولى أكمل المشاركون اختبارا للتمارين الرياضية، ويتألف من ممارسة مكثفة للتبديل على دراجة ثابتة لفترة قصيرة، بعد قيامهم بالسب والشتم.. وفى التجربة الثانية، وأكمل المشاركون اختبارا لقياس قوة قبضة اليد، بعد قيامهم أيضا السب والشتم، بحسب ما ذكرته صحيفة "ذا صن" البريطانية".
وبذلك البحث، اكتشف "ريتشارد" أن الشتائم تساعد على تقليل الشعور بالألم وخفض مستويات التوتر، وذلك بعدما سمح لمجموعة من الطلاب بإلقاء الشتائم والكلمات النابية خلال الاختبار، بينما لم يُسمح لأفراد المجموعة الأخرى سوى بقول كلمات محايدة، وذلك أثناء وضعهم جميعا لأيديهم في دلو مليء بالماء المثلج لأطول وقت ممكن، لاختبار قدراتهم على احتمال الألم، ليجد أن الشتائم أدت إلى تسكين الألم بنسبة تصل إلى 50%، لكن هذا التأثير المُسكن لا يحدث لمن اعتاد الشتم كثيرا، بل يعمل مع الذين يتجنبون هذه العادة، ما جعل الشتائم والكلمات النابية أمرا جديدا بالنسبة لهم، وبالتالي كان لها تأثير ملموس.
باحث: الشتائم هي لغة عاطفية
وجاءت التأثيرات أكبر على أولئك الذين أطلقوا الشتائم بين الحين والآخر، مقارنة بأولئك الذين كانوا يطلقون الكلمات النابية والألفاظ البذيئة بشكل منتظم، ليقول ستيفنز: "الشتائم هي لغة عاطفية، ولكن إذا أفرط في استخدامها، فإنها تفقد ارتباطها العاطفي".
وتلك الدراسة التي كشفها "ستيفنز" لم تكن هي الأولى، فسبق وأن كشف حسب أبحاث علمية أن استخدام الكلمات القبيحة قد تكون علامة على ارتفاع معدل الذكاء، كما أنها تساعد في التعامل مع الآلام الجسدية والنفسية، الأمر الذي أثبته أيضا مجموعة من الباحثين بكليتي ماريست وماساجوستيس بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ وجدوا أن الأشخاص المتوفر لديهم رصيد من الكلمات البذيئة يملكون معدلات ذكاء أعلى ومخزون أكبر من المفردات اللغوية.
استشاري صحة نفسية: الألفاظ البذيئة طريقة للتعبير عن العدوان بأقل صورة
فيما قالت الدكتورة إيما برين، مؤلفة كتاب "Swearing Is Good for You: The Amazing Science of Bad Language"، إن الشتائم تجعل القلب ينبض بشكل أسرع، كما أنها تجعلنا أقل عنفا جسديا بشكل مثير للاهتمام.
ويعد تلفظ بعض الأشخاص بالكلمات البذيئة، ما هي إلا وسيلة متحضرة ابتكرها الإنسان للتعبير به عن عدوانه بأقل صورة ممكنة من الأذى تجاه الأشخاص الآخرين، بحسب ما قاله الدكتور حاتم صبري، استشاري الصحة النفسية، خلال حديثه مع "الوطن"، توضيحا على الفكرة الأساسية التي تجعل الأشخاص يرددون الشتائم، مؤكدا أن التلفظ بها أمر موجود بكل الثقافات على مدار التاريخ.
أسباب إطلاق الأشخاص لـ"الشتائم"
وعن الأسباب التي تجعل الأشخاص يطلقون تلك الألفاظ النابية، بحسب استشاري الصحة النفسية، تتنوع كالآتي:
- عادة ما يبدأ إطلاق الشتائم مع "المراهقين" كنوع من الموضة ومحاولة إثبات أنهم أشخاص بالغون مثل اتجاههم لـ"تدخين السجائر".
- بالنسبة للشباب عادة ما يجدون "الكلمات البذيئة" ما هي إلا موضة وتماشيا مع العصر.
- محاولة للتعبير عن الغضب والعدوان الداخلي بأقل صورة ممكنة.
- التفكير في تقليل من قيمة الشخص، ومن هنا تأتي الشتائم المرتبطة بالتشبيه بالحيوانات.
- رغبات جنسية مكبوتة يحاول التعبير عنها بصورة لفظية مستخدما "الألفاظ التي تحمل معنى جنسيا"، والتي يلجأ إليها عدد آخر من أجل التجريح في أشخاص آخرين.
- في حالة وصول إحساس الشخص لأقصى درجة من العدوان الداخلي يلجأ للسب والاستهزاء بالدين.
- في بعض الأحيان، تصبح الشتائم والألفاظ النابية "عادة" لدى بعض الأشخاص يصعب السيطرة عليها.
كيفية التحكم في قول الكلمات البذيئة
ويرى الدكتور حاتم صبري، أن الأشخاص المطلقين "الشتائم" يجيدون التعبير عن أنفسهم بصورة أفضل، لافتا إلى أنهم لا يستطيعون ترديد تلك الكلمات إلا أذا كان الطرف الآخر يعطيهم مساحة لقولها.
في حال إذا أصبحت "الشتائم" عادة بالنسبة لعدد من الأشخاص ولا يستطيعون التحكم في ألسنتهم، هناك بعض الطرق لتقليل قولها، وهي..
- قبل إطلاق الكلمات البذيئة التفكير 10 ثوان، السبب وراء قولها.
- بعد التفكير عن السبب، محاولة معرفة معنى ما يقال.
- محاولة ترديد تلك الكلمات وكأنها تقال له، ومعرفة ما المشاعر التي تسيطر عليه وقتها.
- بعد تلك كل الخطوات، التفكير مرة أخيرة هل ما زال يرغب في إطلاق "الشتائم".
- طوال الوقت يفكر أن يتحكم فيما يقوله ولا يترك الكلمات تتحكم به.
تعليقات الفيسبوك