98 عاما على ميلاد رجل "العلم والإيمان" مصطفى محمود
الدكتور مصطفى محمود
إذا ذكر "العلم والإيمان" يتبادر إلى الذهن تلقائيا العالم الراحل الدكتور مصطفى محمود، الفيلسوف والطبيب والكاتب المصري، الذي تحل ذكرى ميلاده الـ98 اليوم، حيث إنه ولد في 27 ديسمبر 1921، وهو من الأشراف وينتهي نسبه إلى علي زين العابدين، درس الطب وتخرج عام 1953 وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960، ورزق بولدين هما "أمل" و"أدهم".
ألف العالم الراحل 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، وتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة، كما قدم الدكتور مصطفى محمود أكثر من 400 حلقة من برنامجه التليفزيوني الشهير "العلم والإيمان".
يروى مصطفى محمود أنه عندما عرض على التلفاز مشروع برنامج "العلم والإيمان"، وافق التلفاز راصدًا 30 جنيها للحلقة، وبذلك فشل المشروع منذ بدايته إلا أن أحد رجال الأعمال علم بالموضوع فأنتج البرنامج على نفقته الخاصة ليصبح من أشهر البرامج التلفازية وأوسعها انتشاراً على الإطلاق، وما زال الجميع يذكرونه سهرة الاثنين الساعة التاسعة ومقدمة الناي الحزينة في البرنامج وافتتاحية مصطفى محمود "أهلا بيكم" إلا أنه ككل الأشياء الجميلة كان لا بد من نهاية، للأسف هناك شخص ما أصدر قرارا برفع البرنامج من خريطة البرامج التلفازية، وقال ابنه أدهم مصطفى محمود بعد ذلك إن القرار بوقف البرنامج صدر من الرئاسة المصرية إلى وزير الإعلام آنذاك صفوت الشريف.
وفي عام 1979 أنشأ مصطفى محمود مسجده في الجيزة المعروف باسم "مسجد مصطفى محمود"، ويتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية، وشكَّل "محمود" قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا، ويضم المركز أربعة مراصد فلكية، ومتحفاً للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون، ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية، والاسم الصحيح للمسجد هو "محمود" وقد سماه باسم والده.
في أوائل القرن الفائت كان يتناول عدد من الشخصيات الفكرية مسألة الإلحاد، تلك الفترة التي ظهر فيها مقال "لماذا أنا ملحد؟" لإسماعيل أدهم وأصدر طه حسين كتابه "في الشعر الجاهلي"، وخاض نجيب محفوظ أولى تجارب المعاناة الدينية والظمأ الروحي، وكان وقتها بعيداً عن الأضواء لكنه لم يكن بعيدا عن الموجة السائدة في وقته، تلك الموجة التي أدت به إلى أن يدخل في مراهنة عمره التي لا تزال تثير الجدل حتى الآن.
تعرض لأزمات فكرية كثيرة كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه (الله والإنسان) وطلب عبدالناصر بنفسه تقديمه للمحاكمة بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر، إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب، بعد ذلك أبلغه الرئيس السادات أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى.
وحول موضوع الشفاعة فقد قيل إن رأيه يتلخص في أن الشفاعة مقيدة أو غيبية إلى أقصى حد وأن الاعتماد على الشفاعة لن يؤدى إلا إلى التكاسل عن نصرة الدين والتحلى بالعزيمة والإرادة في الفوز بدخول الجنة والاتكال على الشفاعة وهو ما يجب الحذر منه.. والأكثر إثارة للدهشة أنه اعتمد على آراء علماء كبار على رأسهم الإمام محمد عبده، لكنهم حمّلوه الخطيئة.
كانت محنة شديدة أدت به إلى أن يعتزل الكتابة إلا قليلاً وينقطع عن الناس حتى أصابته جلطة، وفي عام 2003 أصبح يعيش منعزلاً وحيداً، وقد برع الدكتور مصطفى محمود في فنون عديدة منها الفكر والأدب، والفلسفة والتصوف، وأحياناً ما تثير أفكاره ومقالاته جدلاً واسعاً عبر الصحف ووسائل الإعلام، وقد حازت روايته "رجل تحت الصفر" على جائزة الدولة لعام 1970.
توفي الدكتور مصطفى محمود في السابعة والنصف من صباح السبت 31 أكتوبر 2009 الموافق 12 ذو القعدة 1430 هـ، بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عاماً، وقد تم تشييع الجنازة من مسجده بالمهندسين ولم يزره أي من المشاهير أو المسؤولين ولم تتحدث عنه وسائل الإعلام إلا قليلا مما أدى إلى إحباط أسرته.