هل يوجد تعارض بين العلم والقرآن في جريان الشمس؟.. الإفتاء توضح
دار الافتاء - صورة أرشيفية
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا حول مدى حقيقة الخلاف بين العلم والقرآن الكريم فيما يتعلق بجريان الشمس.
وجاء نص الشبهة كالتالي: جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"، وهذه الآية تخالف المقررات العلمية من أن الشمس ثابتة تدور حول نفسها ولا تنتقل من مكانها، والأرض هي التي تدور حولها، فكيف يقول القران إن الشمس تجري، وإن لها مستقرا تسير فيه؟ كما أن هناك قراءة قرانية فيها"الشمس تجري ولا مستقر لها"، فهذا يدل على اختلاف قراءات القران اختلافا يغير المعنى؛ مما يطعن في سلامة القران وصحته.
وقالت الدار في جوابها: لا يوجد تعارض بين النص القرآني، والحقائق العلمية، وهذا الاعتراض إن دل فإنما يدل على عدم المعرفة بأحوال الشمس وأطوارها؛ فالثابت علميا أن الشمس لها حركات متعددة؛ منها دورانها حول نفسها، وهذا الدوران يصح أن يسمى جريا، وقد ثبت علميا أن الشمس لها حركة حقيقية؛ حيث تنطلق بسرعة مخصوصة قدرت بنحو اثني عشر ميلا في الثانية في اتجاه نجم يسمى بالنجم "فيجا" في الإفرنجية أو "النسر الواقع" في العربية، أو أن يقال إن جريان الشمس يعني في رأي العين من مشرقها إلى مغربها، فالنظر إلى الشمس من الناحية الظاهرية يوحي بحركتها في حين أن المتحرك هو الأرض.
وأضاف: الآية حملت إعجازا بلاغيا حيث راعت مقتضى حال المتلقى؛ حتى يهتدي بها الناس جميعا، من عرف منهم سر هذه الحركة النسبية ومن لم يعرف، فمن عرف هذا السر اهتدى به وبالمعجزة العلمية التي حوتها الآية، ومن لم يعرف اهتدى بموافقة الآية للحركة الظاهرة التي يراها، فالقرآن الكريم لا يخالف أي سقف وصلت إليه المعارف البشرية، وهو سر إعجازه، فأي معلومة علمية قطعية انتهت إليها المعارف البشرية لا يوجد ما يخالفها من القرآن الذي جاءت عباراته لتتوافق مع المعارف القطعية للبشر على مدار العصور.
يقول الدكتور عبد القادر الحسيني: "إن القرآن الكريم كنص إلهي قد احتوى على حقائق فكر القرون المتطاولة حتى آخر الزمان، فضلا عن القرون السابقة لنزوله مع مسايرته في خطاب العرب لأحوالهم وأساليب حياتهم وما اعتادوا عليه، ولما كان القرآن الكريم إنما أنزل لهداية البشر فقد اقتضت الحكمة الإلهية أن ينزل بأسلوب لا يصدم البدهي المسلم به عند الناس فيكذبوه، ولا ينافي حقائق الأشياء فيكون ذلك داعيا إلى تكذيبه إذا يسر الله سبيل الكشف عنها لأولي العلم في مستقبل العصور، وهذا من أعجب عجائب القرآن الكريم التي لا تنقضي؛ فإن التعبير عن حقائق الأشياء بأسلوب يطابقها تماما ثم لا يصدم الناس فيما يعتقدون أمر يعجز عنه البشر ولا يقدر عليه إلا الله الذى أنزل القرآن بالحق هدى للناس.
والشاهد الواضح لهذه الظاهرة قوله تعالى: ﴿والشمس تجري﴾؛ فإن حركات الشمس قضية تنطبق على المشاهد البادي من حركتها في السماء من المشرق إلى المغرب، غير أن العلم الحديث يثبت صدق حرفية الآية الكريمة باكتشاف حركة ذاتية للشمس تتجه بها إلى فيجا بسرعة اثني عشر ميلا في الثانية.
تابع: القرآن الكريم قد نزل في بيئة معينة وزمان معين وتلقاه عند نزوله الأول أناس معينون لهم أفق معرفي محدد، فخاطبهم وفهموا مراد الله منهم كل حسب طاقته، وفي الوقت ذاته خاطب القرآن الكريم العصور اللاحقة دون أن يجرح أفهامهم في الوقت الذي أشار إلى حقائق الكون والحياة بعبارات مرنة مستوعبة، وهذا لا يكون لبشر أبدا.
وقالت الدار: "قد يوفق موفق في عبارة أو عبارات تخترق عباب القرون، ولكن هذا نادر والنادر لا حكم له، فالإنسان المخلوق ولو كان أعظم الأدباء وأقدرهم على التفنن في المواد اللغوية لا يستطيع أن يخترق بيئته وأفقه المعرفي ليحدث بيئة أخرى تختلف وتتباين عن بيئته …"، إن سعة معاني القرآن وتجددها نابعة من ذات القران وليست إضافات يضيفها كل ناظر فيه أو قارئ، هذا مع التأكيد أن قابلية النص القراني لا عدد الأفهام ليست في جميع النصوص، بل هي في بعضها دون بعض، وهذه الأفهام منضبطة بقواعد اللغة وأحكام الدين المستقرة التي تمثل هوية الإسلام.
تابع: أما ما يتعلق بالقراءة المذكورة في الشبهة، التي استدل بها على اختلاف القراءات اختلافا مفسدا للمعنى، فالرد على ذلك بأن هذه القراءة ليست قراءة صحيحة متواترة حتى يحتج بها السائل؛ ولذلك لم يتعرض لها معظم المفسرين في تفسير الاية الكريمة, وإنما هي قراءة شاذة، ودليل ذلك عدم ورودوها في القراءات العشر المعتمدة.