أرشيف كوارث 2019.. مصريون أبطال "ميخافوش من النار"
أحد أبطال "محطة مصر": بترحم كل يوم على زميلي وبدعي للمصابين
أبطال الإنسانية في حريق محطة مصر
على قدر الألم الذي تركته في قلوبنا ولن تستطيع مداوته إلا الأيام، كان الأمل في غدٍ مبشر يقوده شباب لم يهابوا الموت اقتحموا ألسنة النيران مجازفين بأرواحهم؛ لينقذوا بقدر ما أوتوا من قوة أطفال ونساء وشيوخ كانوا ضحايا للإهمال وغدر الإرهاب، إنهم أبطال حادثتي محطة سكة حديد مصر ومعهد الأورام.
على الرغم مما خلفه حريق محطة مصر من دمار وخسائر في الأرواح، فإن مشاهد الإنسانية والبطولة كانت كطاقة نور انبعثت من وسط النيران الملتهبة تطمئن القلوب المرتجفة بين ألسنة الجحيم، خرج 3 أبطال مسرعين نحو موقع الحادث، لم يكتفوا بالمشاهدة عن كثب، أو الدعاء لضحايا الحادث، فانطلقوا مسرعين مجازفين بأرواحهم لإغاثة المتضررين.
في مشهد متكررٍ وسط أصوات مرتفعة لمحركات القطارات وجراراتها، اعتاد عليه العمال بمحطة مصر، كان محمد رمضان عامل بأحد أكشاك رصيف نمرة 6، يقضي يومه بشكل طبيعي إلى أن سمع صوت الجرار القادم أعلى من الصوت المعتاد، ما جعله يدعو ربه سريعًا بكلمتي "يا رب خير"؛ ليجد نفسه، فجأة، محاطا بالنيران من كل اتجاه.
وبحسب حديث رمضان، لـ"الوطن"، فإنه لم يتأثر من مشهد فرار الناجين من عمال المحطة والمصابين، وبرفقة اثنين من عمال المحطة انطلقوا نحو النيران "يبطبطوا" على المصابين ويهدئوا من روعهم، محاولين إخماد النيران التي أمسكت ببعضهم بـ"بطاطين"، بطولة جماعية كان أبطالها عمال الأكشاك وهيئة سكة حديد مصر الثلاثة، "وليد مرضي، محمد عبد الرحمن، ومحمد رمضان".
خرج الشاب الثلاثيني من "الكشك" الصغير، حاملا "بطانية" كان يستخدمها في تغطية بضائعه، ليجد مسنا يجري نحوه، وقد التهمت النيران ملابسه، انتزع ملابسه المشتعلة وأسدل عليه البطانية، وتكرر هذا المشهد مع "رمضان" مع المصابين مرات ومرات عديدة، حيث كان يقف على الرصيف في الجهة المقابلة للهاربين من النيران، يحتضن كل منهم ببطانية حتى تخمد نيرانه ويخرج منها بأقل خسائر ممكنة.
رمضان: مش هنسى الطفل اللي كان بيتحرق على القضبان
"مش هنسى الطفل اللي كان بيتحرق على القضبان"، قالها رمضان متأثرا بمشهد مر عليه أكثر من 6 أشهر إلا أنه لا يزال يذكره، فيروي أنه بينما كان يطفئ نيران أحد المصابين، رأى طفلا لا يتجاوز عمره 10 سنوات يصارع النيران، على قضبان السكك الحديدية، ليقوم مسرعا ويقفز من فوق الرصيف لمحاوله إنقاذه، في وقت كان الجميع خائفا يترقب، وبالفعل استطاع إنقاذه وصعد به إلى أقرب رصيف.
مرت أيام وأسابيع على الحادث الأليم، إلا أن رمضان، لا يزال يذكره بقلب منكسر وبعين دامعة، كل يوم يمر عليه منذ وقوع الحادث يدعو للمصابين بالشفاء والشهداء بالرحمة: "بترحم على صديقي وزميلي في الكشك اللي الشغل من غيره مختلف وبدعي لزميلنا التالت اللي لسه بيتعالج".
وفي أغسطس الماضي، كانت مصر على موعد مع حادث مؤلم، طالت فيه أيدي الإرهاب محيط المعهد القومي للأورام، وبالرغم من انتشار صور الضحايا ومرضى المعهد، فإن العمل الإنساني والإغاثة من ألسنة النيران كانا بطلي المشهد، في صورة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن وثقتها عدسة المصور "جوناثان رشاد".
أظهرت الصورة المتداولة، شابا ثلاثينيا يحمل طفلة ترتدي "كمامة"، هو محمد الجوهري الذي كان في طريقه إلى منزله، يسير كعادته كل يوم في طريق المعهد، لكنه كان على موعد مع الرابع من أغسطس مع الطريق الموازي للمعهد، وكأن القدر أراد أن ينجوا من نيران الانفجار، ليهرول إلى المعهد ينقذ كل من فيه حاملا الأطفال والمسنين إلى "أقرب نقطة أمان"، ثم يتجه تارة أخرى إلى الداخل لإنقاذ أكبر عدد من المرضى غير القادرين على الخروج من مسرح الحادث.
ساعتان قضاها الجوهري، في خدمة المحتاجين إلى المساعدة، وسط زحمة المتفرجين والمصورين مكنتش شايف غير مرضى إنسانيتي تجبرني على إنقاذهم، قالها الشاب الثلاثيني في حديث سابق لـ"الوطن".
الجوهري: صعب أمارس حياتي بشكل طبيعي بعد اللي شوفته
"صعب أمارس حياتي بشكل طبيعي بعد اللي شوفته"، ما زال الجوهري الذي يعمل في مجال مراقبة جودة الأطعمة متأثرًا بما رآه من مشاهد مؤلمة، لكنه يرى بطولته "الواجب" الذي لا يستحق مديحا عليه.