جدران محل صغير بهت لون طلائها من أثر الزمن، بين جنباتها أكوام من الأحذية والشنط المتهالكة، تنتظر ترميمها بأيدى عجوز ماهر احترف مهنته وأفنى بها عمره، يجلس على مقعد صغير يستقبل الزبائن، غارقاً بين الأكوام، منهمكاً فى عمله، يكسر تفاصيل المشهد المزدحم فى عين الناظر إليه لوحات مدون عليها آيات القرآن المجيد تجاورها صورة السيدة مريم العذراء، تجسدان معنى الوحدة الوطنية.
بملابس مهترئة خصّصها للعمل، وأيدٍ متسخة من أثر ورنيش الأحذية، وعمامة أضحت سمة أساسية بوجهه، يجلس على حسن، على بوابة محل تصليح الأحذية فى منطقة السيدة زينب، يستقبل الزبائن بضحكة و«نكتة» اعتادوها منه، أحب مهنته التى بدأت رحلته بها منذ خمسينات القرن الماضى، وتنقل خلالها بين محلات عدة، حتى انتهى به المطاف إلى محل الأسطى عاطف سامى، أو كما يلقبه بـ«عشرة العمر».
منذ فتح الرجل المسيحى عاطف سامى، أبواب محله الصغير لـ«عم على» قبل 20 عاماً، واستأمنه على ماله وزبائنه، توطدت العلاقة بينهما، واتضحت جلية على جدران المحل، ففى الواجهة برواز زجاجى متوسط الحجم بداخله صورة السيدة مريم العذراء أم المسيح، وضعها صاحب المحل، اعتزازاً بديانته، إلا أنه لم يغفل حق صديقه المسلم فى تعظيم شعائر دينه، حسب روايته: «الدين لله». «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، آية قرآنية تجاور صورة «العدرا» فى المحل، تقابلها على جدار آخر آية مكتوبة على لوحة كارتون تلفت أنظار الوافدين إلى المكان: «أحياناً باجيب آية قرآنية، ولما آجى أعلقها بيختار معايا المكان المناسب ليها».
فى وقت أعياد المسيحيين يتولى «عم على» شئون المحل، وفى أعياد المسلمين يقوم «سامى» بالدور نفسه: «إحنا الاتنين بنكمل بعض».
تعليقات الفيسبوك