مفتي الديار عن جريمة التحرش: أشد من الزنا.. ومن كبائر الذنوب
د. شوقي علام
قال الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، إن التحرش الجنسي كبيرة من كبائر الذنوب، وأمر حرام شرعًا، وهو جريمة يُعاقب عليها القانون، ولا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة التي تتوجه همتها إلى التلطخ والتدنس بأوحال الشهوات بطريقة بهيمية وبلا ضابط عقلي أو إنساني.
وأضاف علام، في فتوى على موقع الإفتاء الرسمي، أن الشرع الشريف قبح ونفر من انتهاك الحرمات والأعراض وتوعد فاعلي ذلك بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، كما أوجب على أولي الأمر أن يتصدوا لمظاهر هذه الانتهاكات المشينة بكل حزمٍ وحسم، وأن يأخذوا بقوة على يد كل من تسول له نفسه التلطخ بعاره.
وشدد مفتي الجمهورية على حرص الإسلام على المحافظة على كرامة الإنسان وعرضه، وجعل ذلك من المقاصد الكلية العليا التي جاءت الشريعة بتحقيقها، وهي: "حفظ النفس والعرض والعقل والمال والدين"، وهي مقاصد جاءت بالمحافظة عليها كل الشرائع السماوية، ومن عظمة الشريعة أنها ارتقت بها من رتبة الحقوق إلى رتبة الواجبات؛ فلم تكتف بجعلها حقوقًا للإنسان حتى أوجبت عليه اتخاذ وسائل الحفاظ عليها، ثم جعلتها مقدمة على حقوق الله المحضة.
وتقرر في قواعدها أن حقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة؛ فلا يبرأ الإنسان من عهدتها حتى يؤدي الحقوق لأصحابها، وجعلت الشريعة انتهاك الحرمات والأعراض من كبائر الذنوب، ومن ذلك جريمة "التحرش"، و"التحرش" مصدر "تحرش" به؛ أي: تعرض به ليهيجه، وأصل "الحرش" في اللغة: التهييج والإفساد والخدش والإغراء.
ويطلق "التحرش" عرفا على الأفعال والأقوال ذات الطابع الجنسي التي يتعرض بها للغير.
فأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: "يا أيها الناس، أي يوم هذا؟" قالوا: يوم حرام، قال: "فأي بلد هذا؟" قالوا: بلد حرام، قال: "فأي شهر هذا؟" قالوا: شهر حرام، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا"، فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال: "اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته: "فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقال المفتي: "المرأة هي أنفس الأعراض؛ حيث بوأها الشرع مكانة عالية، وتوجها في المجتمع بما لها عليه من حقوق وبما تؤديه من واجبات، وجعلها صنوا للرجل في إنسانيتها ودورها الذي لا يقل أهمية عن دور الرجل؛ حيث إنها نصف المجتمع وتلد النصف الآخر، وراعى ضعفها الجسدي، فأمر بالاعتناء بها وتقديم احتياجاتها على غيرها، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معيار خيرية الرجال مبنيا على حسن معاملة المرأة؛ فيقول: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي في "الجامع".
وابن حبان في "الصحيح"، وفي رواية الحاكم في "المستدرك": "خيركم خيركم للنساء"، ومن أجل ذلك ونشرا للطهارة والعفة في المجتمع حرم الإسلام مجرد النظر بشهوة إلى المرأة، وكذلك حرم مسها بشهوة؛ فأخرج الروياني في "مسنده"، والطبراني في "المعجم الكبير"، عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له".
وأضاف: "جاء الشرع بتحريم جريمة الزنا، وأنها من الكبائر، وهذا صادق على ما كان بالتراضي، غير أنه إذا كان من غير رضا فإنه أشد جرما وأعظم إثما وبغيا؛ حتى جعلت الشريعة هذا الفعل الدنيء أشد من الزنا الذي يمارسه الطرفان برضاهما؛ فوصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث النبوية الشريفة بأنه (أربى الربا)، ومن المقرر شرعا أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب وأنها من (السبع الموبقات) التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقرنها بالشرك والقتل والزنا والقذف.
فقال فيما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: "يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"، وجاءت الأحاديث الشريفة بوصف التحرش الجنسي بالربا، بل بأنه "أربى الربا"، وهذا يقتضي أنه أشد جرما من الزنا الذي لا تحرش فيه.
وتابع بأن الفئة التي تتحرش بالنساء هم في الحقيقة يمارسون سلوكيات المنافقين الذين وجه الله تعالى نظر الحاكم إليهم ليحد من سوء فعالهم، وأوعدهم باللعن والإخراج من الدولة والقتل حسب درجات هذه الممارسة ومدى ما يصدر فيها من الأذى؛ تخويفا أو تهديدا أو انتهاكا أو اغتصابا؛ وذلك لكونهم يشكلون خطرا على أمنها واستقرارها؛ فقال تعالى في محكم كتابه: "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ۞ ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ۞ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا".