"النور مكانه في القلوب"... كلمات أثبتها بعض المصريين الذين واجهوا إعاقة كف البصر وتغلبوا عليها فلم تكن عائقا أمام تفوقهم في أعمالهم وهواياتهم.
لم يطلبوا المساعدة نظرًا لإعاقتهم ولم يمدوا أيديهم لأحد، ومارسوا أعمالهم وهواياتهم بكل عزم وإصرار.
"الوطن"، ترصد لكم بعض النماذج التي أثبتت أن "النور مكانه في القلوب".
محمد حافظ يفوز بفضية العالم في الشطرنج
قال محمد حافظ، الكفيف المصري الفائز بفضية بطولة العالم في الشطرنج، إنه شارك في بطولة العالم للشطرنج في تركيا: "كانت بطولة عالم للقارات ومشارك فيها لاعبين من 5 قارات".
وأضاف "حافظ"، خلال مداخلة له عبر "الفيديو كونفرانس"، ببرنامج "اليوم"، والذي تقدمه الإعلامية سارة حازم، والمذاع على فضائية "DMC"، أنه قد حصل على المركز الثاني ضمن المشاركين في تلك البطولة: "المفروض بتبقى فيه خطط لكن الخطة بتختلف على حسب الشكل الموجود قدامي"، موضحا أنه يمارس لعبة الشطرنج منذ فترة الدراسة الجامعية: "بدأت وأنا في أولى كلية، وفضلت معايا وكنت بلعب كويس، وبلعب بالتخيل".
وأكد أن لعبة الشطرنج الخاصة به مجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة من المكفوفين: "أنا بلعب الشطرنج في مسابقات لمدة طويلة، ومن غير الشطرنج المجهز بخلي حد يحل محلي وينقل القطع".
محمد فني تصليح سخانات بالشروق: نفسي الناس تعرف تعامل الكفيف
يتحسس بأنامله مكونات أي جهاز كهربائي ليتعرف عليها، أسلاك الكهرباء بأنواعها وأحجامها المختلفة تملأ عالمه المظلم، أدوات شغله تحيطه يمينا ويسارا، لم يجد في ذلك صعوبة رغم فقدان بصره، فأضحت أصابعه هي عينه التي يرى بها.
محمد عبدالعزيز، كهربائي فقده بصره منذ الصغر، بسبب إصابته بضمور العصب البصري، إلا أنه لم يستسلم حتى قرر أن يتخذ من صيانة الأجهزة الكهربائية مهنة له يمارسها باحتراف منذ 15 عامًا، اشتهر بين زبائنه بمهارته، وثقوا به و لم ير أحدهم في إعاقته عيبًا يمنعه عن ممارسة تلك المهنة.
بداية "محمد"، مع مهنة "الكهربائي"، كانت بعمله مع أحد أقاربه، ثم انتقل إلى مرحلة الاجتهاد الشخصي، وخلالها قضى ساعات طويلة في البحث عبر شبكة الإنترنت لاكتساب مهارات جديدة يدعم بها مهنته، ويومًا بعد الآخر ذاع صيته بين سكان منطقته بمدينة الشروق، وزاد إقبال الزبائن عليه.
أحلام "محمد" الثلاثيني، بسيطة كملامحه، تتمثل في امتلاك محل خاص به بدلا من عناء المسافة التي يقطعها كل أسبوع لشراء قطع الغيار المستخدمة في عمله: "نفسي الناس يكون عندها وعي كافي للتعامل مع الكفيف، إزاي يكلمه، إزاي يوجهه ويساعده".
حربي.. صانع الفخار "القيناوي"
تحدى صعوبات فقدان البصر، بممارسة مهنة تحتاج إلى الدقة وملاحظة التفاصيل، ليرسم لنفسه واقعاً مشرقاً، ويصبح من أمهر صانعي الفخار في قرية "الشيخ علي" بجنوب مصر.
حربي رسلي، صاحب الـ46 عاماً، ابن مركز "نقاد" بمحافظة قنا، يمارس الحرفة المتوارثة منذ أكثر من 25 عاماً، بعد أن تعلمها من والده، وأتقنها في سن الـ15 عاماً.
يمسك «حربى» بقطعة الطين، يتحسّس الثقوب ويسدها بمهارة، بعد أن أصبحت يداه بديلاً لعينيه، يرى بهما كل التفاصيل، كأي مبصر في ريعان الشباب، ويظل يشكل الطين حتى يصبح إناءً، ثم يُعرّضه لأشعة الشمس في لفافات بلاستيكية تحفظه في درجات حرارة معينة، لمواصلة باقي مراحل التصنيع.
لم يولد "حربي"، صانع الأوانى الفخارية، كفيفاً، وإنما بدأت مشاكل النظر تظهر في سن الـ15، حتى فقد بصره تماماً في العشرين من عمره، ليعيش حياة قاسية، فلا يعرف سبيلاً لجلب الرزق غير صناعة أواني الفخار: "بعد تعتّم الرؤية، دب اليأس في داخلي، لكنني نزلت على الحجر، الذي يساعد في تشكيل الطين، واستعدت مراحل التشكيل واحدة تلو الأخرى، وبعد شهور أصبحت بارعاً في صناعة الزير والزهريات ومختلف الأواني الفخارية".
يعمل "حربي"، طوال أيام الأسبوع، حتى الجمعة، لا يستريح إلا وقت الصلاة، للوفاء بطلبات التجار، الذين يوزّعون في المحافظات الأخرى، ومناطق سياحية بالأقصر والغردقة، حيث يتم استخدام إنتاجه في الزينة والديكور، ورغم أن ورشته ليست الوحيدة، حيث إنها واحدة من ضمن 10 ورش في القرية، إلا أن منتجه عليه إقبال "عال العال"، على حد وصفه.
وعن مراحل تصنيع المنتجات الفخارية، يشير "حربي"، إلى أنه يجمع التراب (الحصى) من التربة الطينية السوداء، ويتم تخميرها بإضافة أشياء مثل «رماد» الفرن البلدي المغربل، ويظل في مكان رطب لمدة يوم، ثم يدخل لمراحل التصنيع.
مجدي يبيع الخضار متجولًا في عابدين: ربنا بيقوي الشقيان
يتجول في شوارع منطقة عابدين، حاملاً أقفاص الطماطم في يده اليسرى، وفي اليمنى عصاه التي يتكئ عليها، فبعد أن فقد بصره، أصبحت عصاه رفيقته التي لا يستطيع التخلى عنها، ورغم أنه كفيف، يعمل مجدي مصطفى، بائعاً متجولاً، يحمل أقفاص الطماطم ويجوب بها شوارع وحواري وسط البلد، يستوقفه زبائنه الذين يعرفونه جيداً، يساعدونه فى إنزال الأقفاص من على كتفه، ويزنون الكمية التي يحتاجونها ويعبئونها بأنفسهم.
قضى "مجدي"، 58 عاماً، نحو عام ونصف العام في منزله، غير قادر على الخروج أو العمل، وبتشجيع من زوجته، بعد أن ضاقت بهم الحياة، عاد إلى العمل في بعض المهن واستقر أخيراً على بائع خضار متجول: «اشتغلت حاجات كتير، بائع حلوى للأطفال، وبائع شنط وفوانيس، وفي الآخر خضار، بقى ليا زبايني اللى بيساعدوني فى البيع، وبيعملوا كل حاجة بنفسهم، لأني مش شايف حاجة».
اشتهر البائع الكفيف بـ"مجدى قوطة"، نسبة إلى البضاعة التي يحملها على كتفه، ولا يغيرها: "أنا باعرف زباينى من صوتهم، وباعرف الشوارع من لمسة العصاية، باتعب وباشقى طول النهار في الشوارع، وفي عز الحر، علشان ما أمدش إيدي لحد، بس في نفس الوقت روحي حلوة، وباحب الضحك، وبكره النكد".
طوال حياته يسعى "مجدي" إلى تعليم أبنائه، يتعب ويجد من أجل استكمالهم لدراستهم، ابنه الأول تخرّج فى كلية حقوق جامعة القاهرة، وابنته بكالوريوس تجارة: «كل حاجة في الحياة صعبة، بس الصبر بيقوي، ربيتهم من شقايا ومن الشغل الشريف، وربنا بيقوي الشقيان».
تعليقات الفيسبوك