ذكرت عدة تقارير أن العلماء في العديد من دول العالم سجلوا صوت رنين غامض غير معلوم المصدر، ولم يتمكن أي من المراصد الجيولوجية أو هيئات الأرصاد الجوية من اكتشاف سبب أو مصدر ذلك الرنين الغامض، الذي سمعه بعض السكان في جزر غرب المحيط الهندي، في نوفمبر 2018
الصوت الذي ظهر فجأة، وبشكل متزايد في الحدة والمدة الزمنية، التقطته أجهزة قياس النشاط الزلزالي بالمراصد الجيولوجية في أغلب دول العالم، كما سمعه عدد من سكان الجزر الواقعة أمام الساحل الشرقي للقارة الأفريقية، في غرب المحيط الهندي، وبالتحديد في المنطقة الواقعة بين مدغشقر وموزمبيق، مع تركز الرنين والهزات الأرضية المصاحبة له بشكل ملحوظ عند جزيرة "مايوتي"، المتنازع عليها بين فرنسا وجزر القمر، وفقا لما نشرته صحيفة "Daily Mail" الإنجليزية.
قبل ملاحظة العلماء لتلك الظاهرة الغريبة، تم رصد زلزال قوي نسبيا، بلغت قوته 5.9 درجات على مقياس ريختر، بالقرب من جزيرة "مايوتي"، لتبدأ بعده سلسلة من الهزات الأرضية المتتابعة حيرت العلماء، بلغ عددها أكثر من 400 هزة أرضية مختلفة القوة والنوع، وإن كان أغلبها غير محسوس بالنسبة للبشر.
مرت كل هذه الأحداث دون تفسير واضح أو حاسم، حتى تمكن العلماء بعدها بسنة تقريبا من ربط تلك الهزات الصغيرة المتتابعة والرنين المصاحب لها بظهور بركان بحري ضخم، يبلغ قطره 5 كيلومترات تقريبا، في المنطقة البحرية الفاصلة بين سواحل مدغشقر وموزمبيق.
التوافق التام بين موقع البركان والمنطقة التي تركزت فيها الهزات الأرضية المتتابعة وعلى فيها صوت الرنين، إضافة إلى حجم البركان الضخم، جعل من تكون البركان وظهوره على سطح القشرة الأرضية تحت سطح الماء سبباً منطقياً للظاهرة الغامضة.
أوضح مجموعة من العلماء الألمان أنهم تمكنوا من تحديد خطوات تكون البركان المكتشف حديثا، وتحديد العملية التي أدت لإحداث الهزات الأرضية والرنين المستمر، حيث جمع هؤلاء العلماء بيانات عدد كبير من المراصد الجيولوجية من حول العالم، وتوصلوا إلى تصور شامل ودقيق لما جرى فعلاً في المنطقة الواقعة بين مدغشقر وموزمبيق، التي كانت هي مصدر النشاط المريب.
مر البركان البحري الضخم أثناء تكونه بمرحلتين رئيسيتين، أولاهما كانت اندفاع الصخور المنصهرة أو الصهارة، المعروفة أيضا باسم ماجما (Magma) من داخل مخزن أرضي ضخم، ممتد بشكل أفقي مائل على عمق يتراوح بين 25 و35 كيلومتر تحت سطح الأرض، ويبلغ طوله الإجمالي 15 كيلومتراً.
الاندفاع القوي للحجارة والمعادن الملتهبة، أو الماجما، جعلها تشق طريقها عبر كل الطبقات الصخرية والرملية التي واجهتها، محدثة سلسلة من الهزات الأرضية الضعيفة، والتي التقطتها المراصد الجيولوجية المختلفة حول العالم، واستمر ذلك حتى وصلت الماجما على سطح الأرض، الذي هو أيضاً أرضية المحيط الهندي، لتتجمع الماجما تحت السطح لفترة، حتى تمكنت من شق شطح القشرة الأرضية الخارجية والخروج إلى المحيط نفسه، وتسببت عملية تفريغ الخزان الأرضي من الحجارة والمعادن الملتهبة في هبوط جزيرة "مايوتي" بمقدار 20 سنتيمترا.
بعد نجاح نهر الماجما المندفع بقوة في شق طريقه عبر طبقات الأرض وإلى مياه المحيط الهندي، بدأت كمية الصخور والمعادن الملتهبة الموجودة في الخزان الأرضي في التناقص بشكل كبير جداً ومتسارع، حتى أصبح الخزان فارغاً تقريباً، مما جعل القشرة الأرضية المغطية لسطح الخزان الفارغ تتكسر وتنتشر بها الشقوق العميقة بشكل تدريجي ومتسارع، وكان هذا هو السر وراء الرنين الذي حير العلماء لأكثر من سنة.
نشر الفريق العلمي الألماني نتائج دراسته البحثية حول ارتباط البركان البحري بالهزات الأرضية والرنين في مجلة "علوم الطبيعة الجيولوجية" Nature Geosciences، وحذروا في تلك الدراسة من احتمال حدوث المزيد من الهزات الأرضية في منطقة تكون البركان، على الرغم من تكون البركان بالفعل وانخفاض قوة الماجما المندفعة، كما حذروا من المخاطر التي تتهدد جزيرة "مايوتي" جراء تفريغ الخزان الأرضي، خاصة أن القشرة الأرضية المكونة لسقف الخزان ستواصل التشقق والانكسار في المستقبل، ما قد يؤدي على مزيد من الانخفاض لأرض الجزيرة.
تعليقات الفيسبوك