مجموعة من أبرع أطباء الاتحاد السوفيتى، على رأسهم كبير أطباء الكرملين، البروفيسور يفجينى تشازوف، قاموا بفحص الزعيم المصرى جمال عبدالناصر فى أثناء زيارته للاتحاد السوفيتى عام 1968، وقد تمكنوا من علاج إصابة الأوعية الدموية فى قدميه.
بعد عامين فقط، عاد كبير الأطباء لفحص الزعيم، هذه المرة فى «القاهرة»، وبتكليف من الكرملين، وكانت النتيجة النهائية للفحص مروعة؛ فقد قيل له إنه فى خطر حقيقى ويحتاج إلى الراحة، لأن قلبه لن يتحمل الإجهاد، وإن عليه أن يتبع نظاماً جديداً فى حياته إن أراد أن يحافظ على نفسه. طبعاً لم يفعل «عبدالناصر» ذلك، وبعد أقل من أسبوع توفى الزعيم الراحل بعد أن ظل دون نوم لثلاثة أيام متتالية مع بذل مجهودات مُضنية فى أثناء القمة العربية الطارئة بـ«القاهرة» بعد التوتر الحاد الذى حدث بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
عادة ما نقع تحت تأثير أن الشهيد هو من يموت فى ساحة القتال، بينما الحقيقة أن ميادين الشهادة واسعة وليست كلها رصاصات وقنابل.. جمال عبدالناصر من شهداء الواجب، سقط وهو يقاتل من أجل ما آمن به.
واقعة وفاة «عبدالناصر» تكررت مرة أخرى، بعد سنوات من رحيله، فى إطار عام مشابه، وسياق مختلف؛ ففى عام 1986 كانت مصر تخوض معركة دبلوماسية شرسة مع الجانب الإسرائيلى لتحرير باقى أرض سيناء. كانت المباحثات تتم فى مدينة «هيرتزيليا»، شمال تل أبيب، وضم الوفد المصرى أسماء كبيرة فى عالم الدبلوماسية منها: السفير نبيل العربى، والدكتور مفيد شهاب، وكذلك اللواء فاروق لبيب، رئيس جهاز الاتصال العسكرى المصرى.
ضم الوفد أيضاً محمد كامل الحويج، الرائد بالمخابرات الحربية، وهو ضابط الاتصالات الذى كان مسئولاً، لخبرته بالحدود المصرية، عن تحديد علامات الحدود، خاصة العلامة «91» الشهيرة فى مباحثات طابا، والتى أخفتها إسرائيل وحاولت تغيير جغرافيا المنطقة (أزالوا أنف الجبل الذى كان يصل إلى مياه خليج العقبة، وحفروا مكانه طريقاً يصل بين إيلات الإسرائيلية وطابا المصرية).
فى أثناء المفاوضات، وتحديداً يوم 13 أغسطس عام 1986، حوالى الساعة الثانية صباحاً، استشهد الرائد محمد كامل الحويج، وهو جالس على طاولة المفاوضات، نتيجة أزمة قلبية حادة بسبب الإجهاد الشديد. كان فى عُمر الرابعة والثلاثين. وجاء فى خطاب هيئة شئون ضباط القوات المسلحة بعدها أنه توفى «أثناء تأدية مهام عمله وبسببه».
بعد وفاته أقامت له إسرائيل جنازة عسكرية فى مطار تل أبيب، ووصفته الصحافة الإسرائيلية بالضابط المتشدد، ويقصدون أنه كان صعباً فى أثناء عملية التفاوض.
الشهيد الرائد محمد كامل الحويج، تخرج فى الكلية الحربية عام 1975، وعمل فى سلاح النقل قبل انتدابه إلى جهاز المخابرات الحربية. أودت بحياته «مهمة فى تل أبيب» ليترك وراءه زوجة شابة وطفلين أكبرهما كان عُمره عامين ونصف العام، فيما أصغرهما كان عُمره أسبوعين.. «الحويج»، ابن سوهاج، يحتاج إلى تكريم لائق يبدأ من رواية قصته للناس.