من العجوزة لمونديال اليد.. رحلة أول مدربة مصرية لمنتخب أستراليا "حوار"
لعبت ودربت في وقت واحد مع الأهلي الإماراتي وساهمت في تأسيس اللعبة هناك
هبة علي مدربة منتخب أستراليا لكرة اليد
من لاعبة محلية إلى كابتن منتخب مصر لكرة اليد، ثم إصابة بالرباط الصليبي للمرة الثانية، جعلتها تبحث عن عمل بعيد عن الرياضة، فأصبحت مديرة لإحدى صالات "الجيم" في الإمارات، لكن الحياة صعبة بعيدا عن ممارسة أكثر ما عشقت، فبحثت عن نادي تؤدي فيه تمرينات "اليد"؛ لتصبح هبة علي لاعبة ومدربة له في الوقت نفس.
بدأت هبه رحلة في عالم التدريب لمدة 10 أعوام، ساهمت خلالها في تأسيس اللعبة في دولة الإمارات، وعبر صُدفة تقدمت بأوراقها لشغل وظيفة "مدرب منتخب أستراليا".
"الوطن" تحاور هبة علي أول مصرية تدرب منتخب أجنبي، لتصعد على يدها أستراليا لأول مرة في تاريخها إلى بطولة كأس العالم.
كيف دخلتي إلى عالم كرة اليد؟
كانت البداية مع نادي الفتیات في العجوزة، لمدة عامین، وأصبحت اللعبة كل حیاتي، ومنه انتقلت إلى نادي الزمالك الذي قضیت به عامین أیضا، ثم إلى النادي الأهلي، ولمدة 10 أعوام، بدأت عندما كان عمري 14 سنة وحتى عام 2007، فأحَد َث تغییرا كبیرا في حیاتي.
في النادي الأهلي اهتمام عالٍ واحترافیة أكبر في التعامل، فقد شاركت منذ البدایة في الدرجة الأولى، وسافرنا معسكرات تدریب خارجیة، إضافة إلى المنافسة في البطولات العربیة والأفریقیة، وفي ذلك الوقت التحقت بمنتخب مصر الذي تأهل للمرة الأولى في بطولة دولیة في عام 2004، وهي كأس الأمم الأفریقیة؛ لیحوز المركز السادس.
الصليبي منعني من استكمال مشواري مع الأهلي وكان سببا في دخولي عالم التدريب بالإمارات
ماذا حدث لمغادرة النادي الأهلي في عام 2007، واعتزال اللعبة رغم كَوْنك أفضل لاعب جناح أیسر في مصر وقتها وكابتن المنتخب؟
الإصابة الثانیة بالرباط الصلیبي جعلتني أشعر بالخوف، فمع أي إصابة تالیة قد تتوقف حیاتي المهنیة تماما، لذا قررت البحث عن عمل وبدء خبرة في مجال آخر غیر اللعب، وبالفعل بدأت العمل في مجالات ذات علاقة في الریاضة، وحصلت على فرصة للعمل في إدارة أحد الصالات الریاضیة في الإمارات، ومع رغبتي في الجمع بین العمل واللعب، تواصلت مع أحد النوادي لحضور التمرین فقط.
لعبت ودربت في الوقت نفسه بالنادي الأهلي في الإمارات
ماذا عن رحلتك في الإمارات والتحول الكبیر من لاعبة إلى مدربة مرروا بممارسة الاثنین معا في أحد الفرق؟
طلبت حضور أحد تمرینات النادي الأهلي الإماراتي على سبيل المشاهدة، وقبل انضمامي، وبعد الفوز بأول دورة تنشیطیة جرى تجمید نشاط كرة الید النسائیة في الإمارات، وبعد أن عاد النشاط اعتذرت المدربة عن استكمال مهامها، فأوعزت رئیسة اللجنة النسائية باتحاد الإمارات لي بالتدریب واللعب في الوقت نفسه، وبعد عام ونصف جُمد النشاط مرة أخرى، وفي تلك الفترة أصبحت عضوا في اللجنة بالاتحاد، لنعمل على تطویر اللعبة، وسط محاولات لإقناع النوادي بإنشاء فرق كرة ید كي یصبح لدینا دوري إماراتي.
ثمرة محاولتنا وتعاوننا أدت لظهور نادي الجزیرة، وجرى ترشیحي مدرًبا به، وكانت أولى خطواتي للانطلاق في عالم التدریب شكلتُ فرقة، وبعد تنظیم أول دوري فُزت به مع فریقي، استضافت الإمارات البطولة العربیة، ووصل فریقي بها للمركز الثالث رغم حداثة عهده وقوة منافسیه، ثم حدثت ظروف عائلیة بین الحمل الثاني وانتقال زوجي للعمل في إمارة دبي، وهناك بدأت أعمل على تدریب أطفال المدارس، وأسست بهم فریق الظفرة في عام 2014 ، الذي تبناه أحد أفراد العائلة الحاكمة في إمارة العین بعد تجميد نشاطه، واستطاعنا الفوز على فریق فرنسي في بطولة ودیة، وحصلنا على المركز الثاني في بطولة رمضانیة شاركت فیها فرق من كل دول العالم، ثم جاء وقت العودة إلى أسترالیا.
درع أول دوري نسائي لكرة اليد في الإمارات مع فريق الجزيرة كان أول بطولاتي كمدربة
ماذا استفدتِ من فرصة السفر إلى دولة الإمارات في رحلة وصولك لتدریب المنتخب الأسترالي؟
لو لم تتاح كل هذه الفرص في دولة الإمارات بجانب اللعب في النادي الأهلي المصري، لكان من الصعب الوصول لما أنا علیه الآن، ففي الإمارات كانت أولى خطواتي في التدریب، في بلد ولیدة، فلم تكن أساسیات ممارسة اللعبة صحیحة، لكن التطور كان سریعا ما جعلني أمر بكثیر من الخبرات، مثلا أن أكون مدربة ولاعبة في الوقت نفسه، وأستطيع أن أكسب ثقة لاعبات كنا بالأمس متساوون؛ ليتلقوا مني النصائح.
وفي الإمارات، كنت أحد المساهمین في تأسیس اللعبة على أرض الواقع، سواء بإنشاء الفرق وتكوینها أو تقویتها فنیا، حتى أصبح یقال إن منتخب الإمارات الآن یتكون من الفریق الذي أسسته من المدارس وهم مستقبل اللعبة هناك، والتي أصبح لدیها على یدي لأول مرة لاعب مركز جناح، فقد كان الاعتماد الكلي منصب على لاعب "الباك".
منتخب الإمارات لكرة اليد النسائية يتكون الآن من فريق أسسته من طالبات المدارس
ما السبب الرئیسي في السفر إلى أستراليا؟
تزوجت قبل 9 أعوام من عربي مولود في أستراليا، وفي هذه الفترة أراد العودة لأهله ووطنه، وكان حريصًا طوال إقامتنا في الإمارات على إنشاء روابط بیننا وبین الاتحاد الأسترالي، واتفقنا على العودة معه، في الوقت الذي كان زوجي یضع أمامه هدف أن تتطور حیاتي المهنیة بشكل أكبر في مكان یهتم بذلك.
كیف التحاقتي بتدریب منتخب أسترالیا سیدات لكرة الید؟
طول الأعوام السابقة، كنت أتابع الاتحاد الأسترالي والتحق بدوراته التدریبیة والتعلیمیة عن طریق الإنترنت، وهو اتحاد مهتم بشكل كبیر بذلك حتى لمن ليسوا من المنضمين إليه، وكان ذلك بحرص من زوجي، وبعد وصولنا إلى أسترالیا مباشرة تواصل مع الاتحاد للبحث عن فرصة لي حتى لو كانت على سبيل التمرين كلاعبة مرة أخرى، خوفًا من شعوري بالفراغ، وكانت المفاجأة أن منتخب السيدات يبحث عن مدرب بعد مغادرة مدربهم فجأة قبل بطولة مهمة بأيام، حينها أصر زوجي أن أتقدم للوظیفة، وكانت المصادفة أن وقت التقدیم ما زال مفتوحا لاستقبال السیر الذاتیة، وبالفعل تقدمت لها.
ما الاختبارات أو المعايير التي جرى اختيارك على أساسها لتدريب منتخب أستراليا لكرة اليد؟
خضعت لمقابلة مع 3 رجال لأكثر من ساعتین، بین أسئلة كثیرة جدا، لا تركز فقط على المعرفة في اللعبة، وإنما تقیس التفكیر والقدرة على التصرف والتعامل مع اللاعبین، ولأني من ثقافة مختلفة فقد كان هناك تركیز على مدى معرفتي بالثقافة الأسترالیة، والتعامل مع اختلاف الثقافات، وما ساعدني في اجتیاز المقابلة ومن ثَم اختیاري من بین مدربین وطنیین وأجانب هو خبراتي السابقة، إضافة إلى دعم زوجي لي حین كان یصر على أن اتواصل معهم وأدرس في دوراتهم عبر الإنترنت، وخصوصا الجوانب النفسیة والتركیز علیها، وهي محور اهتمامهم، إضافة إلى أنني عرضت خطة تفصیلیة للفوز بالبطولة والتأهل لكأس العالم، ومن ثم خطة الفوز به، فاستحققت الفوز بالمنصب.
في 8 أيام أصبحت أول مدربة تقود منتخب أستراليا لمونديال اليد والفوز بالبطولة الآسيوية
كان أول لقاء لكِ مع لاعبات منتخب أسترالیا قبل البطولة الآسیویة بنحو 8 أیام هي المعسكر التدریبي.. كیف استطعت الفوز والتأهل لكأس العالم؟
منذ اللحظة الأولى قررت أن العمل في وقت ضیق یلزمه التركیز على شيء واحد أو اثنین على الأكثر نُجید إنجازه، أفضل من تصحیح كل أخطائنا، لذلك عكفت منذ إبلاغي بالقبول وحتى بدء المعسكر على مشاهدة مباریات للفرق التسعة المنافسین إضافة إلى فریقي، واستنتجت أنه یجب أن أركز على أخطائهم الواقعیة دون حاجة للفلسفة، وخرجت من ذلك بخطة أن منافسة فرق آسیا یجب أن ینصب على الدفاع، لكن كانت المعضلة هي أن أكسب ثقة فریقي في معسكر مدته قصیرة جدا، ولم یسبق أن أتعامل معهم عن قرب سوى مشاهدة مباریتین ودیتین، لم یحضرهم ما یقرب من نصف الفریق "المحترفین في الخارج".
في أول تمرین كنت فقط أتابعهم وهم یؤدون حركات عادیة، وفي التمرین الثاني عملت على تقسیمهم لفریقین، أما في الثالث فقد بدأت أتحدث عن بعض الأخطاء وكیفیة حلها، وفي الوقت نفسه أزرع الثقة في أنفسهم والحماس، وفي باقي التمرینات كنت لا أتحدث سوى عن هدف واحد وهو الفوز بالبطولة، عن طریق الاجتهاد طوال المباراة دون النظر للنتائج نهائیا، وبذلك أصبحت أول مدربة تقود منتخب أستراليا للمشاركة في كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه.
كنت السيدة الوحیدة والأصغر سنا بين مدربي مونديال اليد في اليابان واكتسبت خبرات ومهارات من مشاهدة مدربين كنت أراهم في شاشة التلفزيون فقط
في كأس العالم لم یتمكن منتخب أسترالیا من الفوز بأي مركز.. كیف تقیمین التجربة؟
في الیابان حیث عقدت البطولة في دیسمبر الماضي، كان الأمر صعبًا، وما زاده أن مجموعتي أصعب حیث ألمانیا والبرازیل وغیرهم، لكنها مواجهة مع الأفضل في العالم، ما یعني مزید من الخبرات، جرَّاء مشاهدة 24 فریقا ومدربا كنت أسمع عنهم فقط وأشاهدهم عبر شاشات التلیفزیون، فإذا استطعت أن ألتقط معلومة أو طریقة من كل شخص فإن البطولة مثمرة، وزادت خبرتي في أیام بمعدل 10 سنوات وتعرفت على أخطائنا.
بین 24 منتخبا، كنت المدربة الوحیدة من السیدات.. هل ترین أن تدریب منتخبات اللاعبات يحتاج إلى سیدة أم أن الأمر لیس له علاقة؟
كنت الوحیدة والأصغر سنا في نفس الوقت بعمر 37 سنة، لكن بعد تجربتي في التدریب على مدار 12 سنة، أستطیع القول إن السیدات یستحققن مدربات منهن، فهناك مواقف كنت أتخطاها لأنني أفهم طبیعة الأنثى وسیكولوجیتها، وكنت أحیانا أضطر أن أتحدث مع اللاعبات كما لو كنت شقیقتهم أو والدتهم أو صدیقتهم، ففي أحد المرات كانت هناك لاعبة في حالة نفسیة سیئة بسبب أنها بعیدة عن أطفالها، عرفت وقتها كیف أتحدث معها بطریقة تقویها.
دعم زوجي لي كان سببا في اجتيازي اختبارات المدربين وترشيحي لقيادة منتخب أستراليا
لدیك عائلة مكونة من وزوج وابن وابنة.. ما دور أسرتك في نجاحك؟
لدي أسرة متفهمة لما أفعل، فقد عمل زوجي، الذي كان محترفا في كرة الطائرة والسباحة، على أن یصبح خبیرا في لعبتي رغم أنه لم یعرف عنها شیئا، وأحیانا یتابع خططي ویقدم لي نصائحه بكل تقدیر وحب لإنجازي، وفي الوقت نفسه فإن ابني 8 أعوام وابنتي 5 أعوام عندما أرى في عیونهم نظرات الفرح بعد كل بطولة أتحمس نحو المزید، فبعد كل مكسب یظل ابني یردد بین كل من یقابله أن والدته هي المدربة، ما یدفعني نحو تحقیق حلم التأهل لبطولة العالم التي ستقام في إسبانیا، العام المقبل.
بعد أن أصبحتِ أول مدربة كرة يد مصرية تدرب منتخب أجنبي.. ماذا عن زملائك القدامى؟
أصغر لاعبة في فريق المنتخب الذي كنت أقوده قبل الإصابة محترفة الآن في أوروبا، وهناك زميلة أخرى تعمل مساعد مدرب في نادي محلي، لكن كثيرا منهم لا يمارسون اللعبة الآن، لذلك عندما أتابع مسیرة بعض من زملائي في المنتخب المصري والنادي الأهلي، أعرف أهمیة أن یكون في حیاة السیدة زوج داعم.
تدريب منتخب بلادي شرف عظيم أطمح له وسأضيف ما تعلمته له للوصول إلى مراكز أفضل
ما تقيمك لوضع المنتخب الآن؟ وهل تطمحين في تدريب منتخبنا الوطني؟
المنتخب المصري الآن أقوى من ذي قبل، ومصر لديها تاريخ في كرة اليد ونحتل السابع والرابع عالميا على مستوى الرجال، ومن خلال متابعتي لما يحدث في مصر عبر السوشيال ميديا لمست تغييرا كبير، فأظن أنه قد حدث تطور وانفتاح في الفكر، لكني بعيدة منذ فترة عن المشهد الداخلي.
أما عن تدريب منتخب بلادي فهو شرف عظيم لي، وأود أن أضيف إليه ما تعلمته بما يتناسب معنا للوصول لمراكز أفضل ومن هذه الأشياء التي سأحرص عليها هي وجود طبيب نفسي كما هو الحال في أستراليا.