مات المقاول الحقير (ولن ألوّث الكتابة بذكر اسمه) فى عفن السوشيال ميديا: هذا البكابورت مكانه الطبيعى وبيئته المفضلة، وُلد فيه وتغذى على حشائشه المسممة، وانتهى به المقام صرصاراً نافقاً على ظهره، رافعاً أقدامه وقد أكله صقيع منفاه. لا نظام الحكم اهتز لتحريضه، ولا المصريون استجابوا، لكنّ المحزن والمخجل أن هناك مَن بلغ به الغِلّ وقصر النظر أن راهن عليه واعتبره المسمار الأول فى نعش النظام: هل تصدق أن من بين هؤلاء المراهنين، المتربصين، «إعلاميين»؟
فى منتدى شرم الشيخ الأخير كان هناك إعلاميون كُثر، لا تستطيع أن تميز بين مؤيدهم ومعارضهم عندما يتعلق الأمر مثلاً بتقييمهم لما يفعله هذا الكائن المخاطى العفن: المؤيد ممتعض وكأنه يحب النظام والرئيس بجد، وخائف أو مشفق عليهما. والمعارض «شمتان» وكأن زلزالاً ضرب هيبة الدولة المصرية، وأوهموا أنفسهم أنهم بصدد بداية لنهاية منظومة الإعلام «الفاشلة» على حد اعتقادهم، ومن ثم سيتم تفكيك هذه المنظومة.. حتماً سيتم تفكيكها وإعادة بنائها بما يسمح بعودتهم إلى المشهد من جديد (إذا كانوا فى بيوتهم) أو بوضعهم فى المواقع التى يستحقونها، والفوز بحصصهم المستحقة من كعكة الإعلام: الاستحقاق هنا مرتبط بفكرتهم الوهمية عن كفاءتهم وثِقلهم المهنى وتصنيفهم كمؤيدين داعمين للنظام والرئيس.. ولأنهم طبعاً حاضرون هنا، فى منتدى عالمى تنظمه وترعاه مؤسسة الرئاسة!
كتبتُ كثيراً فى ملف الإعلام، وقد أكتب لاحقاً. هذه المرة أكتب لأن هناك جديداً يقال، وقديماً يعاد. الجديد هنا، وهو ما لاحظه الكثيرون - باستثناء شلة أصحاب المصالح والأهواء الشخصية من الإعلاميين - أن هناك خطوات جادة وعملية لتصحيح مسار منظومة الإعلام برمتها. هناك خطوات تتعلق بالمحتوى الإعلامى، وبأدوات المواجهة التى تناسب حرباً إعلامية وإلكترونية شرسة ضد الدولة والنظام والرئيس. هناك تدقيق فى كل معلومة، وبحث وتمحيص، وحُجة بحجة، وكل إصبع على زناده. وقبل ذلك، ومن المنبع، أعيد بناء المنظومة بحيث تعمل كل الكيانات الإعلامية كأوانٍ مستطرقة: الهدف واحد، والرسالة واضحة، لكن الأساليب تتنوع.
قد يكون القائمون على ملف الإعلام (وهو بالمناسبة أحد أصعب التحديات وأكثرها تشابكاً وحساسية) أكثر إدراكاً واهتماماً بالرسالة السياسية لهذا الملف، ومن ثم غلبت السياسة على الحِرفة فى كثير من الأحيان، وهو ما استدعى عملية تصحيح المسار التى أشرتُ إليها آنفاً، وظنى أنها نجحت وأثمرت إعلاماً منضبطاً، استعاد الكثير من ثقة المصريين واطمئنانهم، خصوصاً البسطاء الذين تعرضوا لغارات متلاحقة من إعلام عصابة الإخوان.
تقتضى «وطنية» الإعلامى - أمام هذا الجهد وهذا التغير النوعى المؤثر - أن يفرح ويدعم بإخلاص، متجرداً من أهوائه الشخصية وثرثراته الخافتة وبحثه الدنىء عن حصته من الكعكة. لكنّ المؤسف أن بعض الإعلاميين يصرّون على رفع شعار «فيها لاخفيها». يجلسون على تلال الفلوس التى جمعوها قبل وبعد سقوط نظام مبارك، ويشككون فى أى جهد أو محاولة إصلاح ما داموا ليسوا فى الحسبان. هؤلاء لا تعنيهم هيبة الدولة المصرية، ولا رسالة الإعلام وأخلاقياته، بل يعنيهم فقط أن يكون الإعلام عشوائياً لأنهم كبروا و«سمنوا» وكوّنوا ثرواتهم فى مشهد فوضى هم الذى صنعوه ورسخوه وعاشوا فيه ملوكاً وأباطرة؛ هم ورجال أعمالهم. يعتقدون أنهم صُنّاع ثورات، وأنهم قوات الإعلام المسلحة، وأنهم فوق المعايير ومنطق الواقع وضروراته (حتى لو كان البلد فى حالة حرب).. هذا هو القديم الذى ينبغى أن يعاد بين الحين والآخر.
لا يشبع هؤلاء «اليتامى» من نقد وتسفيه الإعلام والسخرية من أى جهد لتفادى «أخطاء طبيعية ومحتملة» فى هذه المنظومة، حتى بعد أن أسفرت عملية إصلاحها عن نتائج مرضية! لا يعجبهم من يعمل، أياً كان حجم كفاءته، وكأنه اغتصب أرضاً يملكونها أباً عن جد. والمفجع أن الجالسين فى بيوتهم يهنأون بثرواتهم ويجترّون أمجادهم.. ليسوا وحدهم فى هذه المناحة، بل المفجع أن هناك من يدّعون أنهم مؤيدون للنظام، وقريبون من الرئيس ومن القائمين على ملف الإعلام ـ ناقمون، غير قانعين بمناصبهم التى تبوأوها «وهم لا يستحقونها بالأساس»، ويستكثرون على فلان أن يكون الوزير، وعلى علان أن يكون رئيساً لهيئة كذا! هذا دأبهم، وهذا حنينهم لـ«إعلام الميغة»، لكنهم فى اعتقادى سيتعفنون فى غِلّهم، وسيتبخّرون كما تتبخر الفلوس الحرام.