تجديد الخطاب الديني يفجر خلافات بين الأزهر والمفكرين
تجديد الخطاب الديني يفجر خلافات بين الأزهر والمفكرين
شهدت الساحة الدعوية والفكرية خلال الساعات الماضية جدلاً شديداً على خلفية المناقشة الفكرية التى دارت بين الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، خلال فعاليات الجلسة الخامسة لمؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى أمس الأول.
الأزمة اشتعلت بعد كلمة «الخشت» التى انتقد فيها المذهب الأشعرى الأزهرى، داعياً إلى خطاب دينى جديد، يتجاوز المذاهب والفرق الدينية، كما انتقد التراث، ودعا إلى تطوير علوم الدين وليس إحياءها، فرد عليه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بأن حديثه غير مدروس ومزايدة غير مقبولة.
«الوطن» أجرت مواجهة فكرية بين رمزين، الأول ينتمى للأزهر، وهو د. نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والآخر الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، الذى ينتمى لأهل الفكر والثقافة، حول تجديد الخطاب الدينى للإجابة عن مجموعة من الأسئلة، أبرزها مَن يتحمل مسئولية الإخفاق فيه؟، وإلى أين وصل التجديد الدينى؟
وأكد «عياد» أن رفض التراث ضياع للعقول وذهاب إلى المجهول، لأنه لا توجد أمة ترفض تراثها، و«الأزهر» يقوم بالتجديد، وهناك أحكام ثابتة قطعية لا يمكن الاقتراب منها، فيما انتقد د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، ما قام به الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مع د. محمد عثمان الخشت خلال مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى، مؤكداً أن أزمة الأزهر أنه مؤسسة لا تسمع لصوت المجددين، والشيخ أحمد الطيب يرفض التجديد الدينى.
وزير الثقافة الأسبق: الأزهر لا يستمع لصوت المجددين.. و"الطيب" يرفض التجديد الديني
انتقد د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، ما قام به الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مع د. محمد عثمان الخشت، خلال مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى، مؤكداً أن أزمة الأزهر أنه مؤسسة لا تسمع لصوت المجددين والشيخ أحمد الطيب يرفض التجديد الدينى.
د. جابر عصفور: شيخ الأزهر ليس وسيطاً بيننا وبين الله.. ويسعى ليكون سلطة دينية
وقال «عصفور» لـ«الوطن» إن الدكتور محمود حمدى زقزوق هو النموذج الحقيقى للتجديد فى الخطاب الدينى، لأن جذوره الفكرية نابعة من «الرشدية» ولا ينتمى للأشعرية الجامدة، مشيراً إلى أن شيخ الأزهر ليس واسطة بيننا وبين الله ويسعى ليكون سلطة دينية، كما أن احتكار الأزهريين مهمة التجديد خطأ فادح يجب مواجهته.. وإلى نص الحوار:
احتكار الأزهريين فقط مهمة التجديد خطأ فادح لأنها مهمة كل المسلمين
كيف تابعت السجال بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة خلال مؤتمر الأزهر العالمى؟
- شيخ الأزهر لا يريد تجديد الخطاب الدينى، ولا يتردد فى تسفيه كل من يدعو إليه، وما يفهمه الشيخ أحمد الطيب من خلال تصريحاته وأفعاله هو أننا ننقح الخطاب الدينى القديم ونضيف له بعض الأجزاء أو نحذف منه بعض الأجزاء، وليس هناك اتجاه كلى لتجديد الخطاب الدينى بل هناك نظرة جزئية فقط، كما أن شيخ الأزهر لم يصل بعد إلى مرحلة الجرأة، بسبب أشعريته، أى انتمائه لـ«المذهب الأشعرى»، ولم يأخذ موقفاً جذرياً كما اتخذه الإمام محمد عبده من التراث السابق عليه، كما أن الشيخ الطيب يصطدم بكل من يدعو لتجديد الخطاب الدينى، ويرى أن مهمة تجديد الخطاب الدينى هى مهمة الأزهريين فقط، وهذا خطأ فادح.
من يدخل فى دائرة التجديد؟
- مهمة التجديد مهمة كل المسلمين، وأعتقد أن هذا جزء من أسباب انفعال الشيخ أحمد الطيب خلال مؤتمر الأزهر للتجديد، لأن الدكتور محمد عثمان الخشت من جامعة القاهرة، وليس أزهرياً ويرتدى بدلة وليس عمامة الأزهر، كما أن شيخ الأزهر استخدم لغة خطاب فيها سلطة حينما تحدث مع الدكتور «الخشت»، حينما قال له وهو رئيس جامعة القاهرة «ابقى ذاكر واكتب»، وهذا غير مقبول، فى الحوار والنقاش، ونحن حينما نتناقش مع شيخ الأزهر فى سبل التجديد، دائماً نعود إلى نقطة البدء، وللأسف شيخ الأزهر أعجز ما يكون عن تجديد الخطاب الدينى، فالطيب أسهم فى تجميد الخطاب ولا يمكن أن يقوم بعملية التجديد، والأزهر بوضعه الحالى غير قادر على تجديد الخطاب، لأنه لا يريد أن يسمع دعوات المجددين أو غيرهم، وإذا تحرك فى التجديد سيتحرك فى أمور شكلية فقط لا تؤدى لأى تجديد فعلى أو جذرى، والغريب أن الوحيد الذى أنتج تجديداً فى الفكر الإسلامى داخل المؤسسة الأزهرية ليس شيخ الأزهر، ولكنه الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق.
وماذا قدم «زقزوق» فى ملف التجديد؟
- جميع كتابات الدكتور زقزوق نموذج حقيقى للتجديد الدينى، وخيراً فعلوا حينما كرموه فى المؤتمر الأخير، وبالمناسبة الجذور الفكرية للدكتور زقزوق نابعة من الرشدية وابن رشد، بينما الدكتور الطيب جذوره ترجع للأشعرية خصوصاً فى صياغتها الجامدة، فالأشعرية جامدة فى صياغتها التى يقوم بها الإمام الطيب، ولا تؤدى إلى شىء.
الدكتور محمد الخشت هاجم المدرسة الأشعرية.. هل تتفق معه؟
- الأشعرية تعتمد على أحاديث الآحاد، والمذاهب الأخرى غير الأشعرية الأقرب للعقلانية لأنها لا تعتمد على أحاديث الآحاد، فى القضايا المهمة كالمرأة والإسلام، ومشكلة الأشعرية أنها تريد أن تتوسط بين النقائض، وقد لا ينتهى الأمر إلى شىء حقيقى، والسؤال الآن هو ماذا قدم الأزهرى الأشعرى فى قضايا العصر المشروعة؟
هل الأزهر لديه إشكالية فى التعامل مع التراث؟
- هناك فرق بين التراث البشرى الاجتهادى، وما هو مقدس، فأى شىء غير القرآن الكريم قابل للجدل والمناقشة، وهناك أشياء فى القرآن أوقف العمل بها عمر بن الخطاب، فى عام الرمادة فأبطل قطع يد السارق والسارقة، لأن العرب لم يجدوا الطعام فى هذا العام، لذلك راعى عمر بن الخطاب مقتضيات الزمن، فالمسألة تحتاج إلى عقل مرن، والآن، هل يستطيع شيخ الأزهر أن يوقف تنفيذ آية من القرآن كما فعل عمر بن الخطاب؟
وما الحل فى إشكالية التجديد؟
- التجديد قضية مستقبل أمة، وعلينا السير على نهج الإمام محمد عبده، فالتجديد مهمة كل المسلمين ومن يتحدث عن أنه مهمة الأزهر فقط «كلام فارغ»، لأنه لا يوجد كهنوت دينى فى الإسلام، والشيخ الطيب ليس واسطة بيننا وبين الله، والأزهر يسعى ليكون سلطة دينية وهذا مخالف للإسلام، ويحاول أن يكون وسيطاً بيننا وبين الله، فالدين تكليف للفرد.
ودعنى أتساءل: منذ متى رفعنا راية تجديد الخطاب الدينى؟ ومَن الذى رفعها؟، بالتأكيد ليس الأزهر، لكنه الرئيس عبدالفتاح السيسى لأن لديه إحساساً بأنه مسئول عن دولة يجب أن تتقدم، لكن الأزهر الشريف لا يتحرك فى هذا الشأن، والأزهر يقف ضد التجديد، وأتعجب من مواقف لجنة كبار العلماء وهى التى أعادتها جماعة الإخوان الإرهابية للحياة مرة أخرى خلال فترة حكمها لمصر، ودعنى أقُل بكل ثقة إن ما يحدث خطر، وينبغى أن ننتبه إليه.
صراع وجدال
المثقف يعتمد على عقله ويجعل الأولوية لفهم الدين للعقل وهذا ليس خروجاً عن الدين وهناك بعض المدارس الإسلامية تقوم بذلك، كالمعتزلة والرشدية، لكن شيخ الأزهر ينتمى للأشعرية الجامدة، ويرفض التجديد الدينى لكننا نؤيد ما قاله الإمام محمد عبده حينما قال لنا: «ابدأ بالعقل وما توافق عقلك عليك لك أن تأخذ به وما خالفه إما أن تؤوله أو تجد طريقة أخرى».
أمين "البحوث الإسلامية": ليس لدينا كهنوت ونطرح خطاباًَ دينياً يلتزم بثوابت الشريعة
أكد د. نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن التراث اجتهاد بشرى غير مقدس يعبر عن وجهة نظر المجتهد، والأزهر ليس لديه «كهنوت»، مشيراً إلى أن التجديد من لوازم الشريعة، ومؤسسة الأزهر تطرح خطاباً يوافق مقتضيات العصر ويلتزم بثوابت الشريعة.
وقال «عياد» فى حواره مع «الوطن» إن تجديد الخطاب الدينى يعنى طرح الخطاب وفق مقتضيات العصر وأساليبه بشرط أن يجمع بين مقتضيات الشريعة وثوابتها ويلائم الواقع، مؤكداً أن الأزهر لا يقبل أن يدخل فى مجادلات.. وإلى نص الحوار:
رفض التراث ضياع للعقول.. ولا ينبغي أن يقوم بـ"التجديد" إلا أهل الرسوخ فى العلم
ماذا قدمنا فى ملف تجديد الخطاب الدينى؟
- مصطلح تجديد الخطاب الدينى انتشر على كثير من الألسنة، ويذهب كل شخص للرؤية الفكرية التى يتبناها، فالأزهر يتبنى تجديد الخطاب الدينى من نصوص الدين وطبيعة الشريعة بجانب توجه الدولة لهذا الأمر، لأننا فى عصر نحتاج فيه لهذا التجديد، والمشيخة تتبنى التجديد، باعتباره صناعة دقيقة ولازمة من لوازم الشريعة الإسلامية، ولا ينبغى أن يتصدى لها أو يقوم بها إلا أهل التخصص وأهل الرسوخ فى العلم الذين يجمعون بين المعرفة الشرعية والرؤية التكاملية للعلوم العقلية والعلوم التجريبية ووسائل ومعطيات العصر الحديث.
هل نحن بحاجة للتجديد أم لخطاب دينى جديد؟
- تجديد الخطاب الدينى يعنى طرح الخطاب وفق مقتضيات العصر وأساليبه، بشرط أن يجمع بين مقتضيات الشريعة وثوابتها وأن يلائم الواقع، وهناك شخصيات تقول إن التجديد خروج عن ثوابت الدين والتراث، وهناك شخصيات ترى أن التجديد يعنى الوقوف عند عصر الصحابة والتابعين والرجوع بالأمة لهذا العصر، فكلاهما خطأ، أما الصواب فهو أن تنظر لنصوص الدين بشكل متوازن، لأن هناك جانباً منها يقبل التجديد وهو ما يتعلق بجانب المعاملات، والعلماء اجتهدوا فيه وهذا ما حدث من قبل الإمام الشافعى، فحينما انتقل من العراق إلى مصر جدد فى مذهبه، ووضع مذهباً جديداً يتناسب مع مصر، فالتجديد لا بد أن يراعى المكان والزمان والحال والأشخاص، وهذه مسألة متفق ومتعارف عليها، فمثلاً الحروب اليوم تكون بالطائرات، فلا يمكن أن نقول إننا سنحارب بالسيف كما كان فى الماضى.
ما الذى يمكن التجديد فيه وما المستبعد منه؟
- لدينا أحكام ثابتة قطعية لا يمكن فيها التجديد، كالصلاة فهى نفسها كما كانت منذ عهد الرسول لا تتغير وهذه ثوابت، لكن ما يتعلق بأحكام الأسرة والمجتمع والعلاقة بالآخر والقضايا الطبية الحديثة يجب التجديد فيها وفق مقتضيات العصر، وهذه مسائل عملت المؤسسات الدينية عليها، ولعل بيان مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى خرج بهذا النوع من التجديد، فالنقاط التى شملها البيان تمت مناقشتها مع كل المؤسسات المعنية، وتم تناولها فى ورش عمل مسبقة حتى خرجنا بالتوصيات المهمة.
هناك مزايدات من قبل البعض بخصوص التراث.. كيف ترى ذلك؟
- التراث اجتهاد بشرى غير مقدس، يجب النظر فيه بعين الفاحص والناقد، و«ابن رشد» وهو أحد رواد الحركة التنويرية، قال إن النظر فى كتب القدماء واجب شرعاً، فما فيه يناسبنا سررنا به وما فيه من خطأ يمكن تقويمه قوَّمناه وعذرناهم فيه، فلا توجد أمة ترفض تراثها كاملاً وإلا سيؤدى ذلك إلى ضياع العقول والذهاب إلى المجهول، فالعرف العلمى يؤكد أن اللاحق يأخذ من السابق، ويصحح منه لكن أن تبدأ من نفس البداية فهذه إشكالية، ونحن فى الأزهر ننظر للتراث، لا تدنيساً ولا تقديساً لكننا ننظر للتراث على أنه أصل ينبعى أن ننطلق من خلاله فما وجد به من خير اعتمدنا عليه وطوّرنا فيه إلى ما يناسب العصر ويعالج مشكلاته، وغير ذلك لا نأخذه.
هل العلاقة بين العالم والمثقف اختلاف أم اتفاق؟
- توافق وليس اختلافاً، فالعلاقة بينهما وثيقة وتكاملية، والحوار بينهما ينبنى على الرؤى العلمية النقدية التحررية التى تجمع بين العلم والمنهجية وقبول الرأى والرأى الآخر وقبول الروح التجديدية التى عقد من أجلها الحوار.
هل لديكم كهنوت فى الأزهر كما يصرح البعض؟
- غير صحيح، وتلك وجهة نظرهم اسألوهم عنها.
البعض يحمل التراث سبب ظهور داعش.. كيف ترى ذلك؟
- التراث كان موجوداً والحضارة الإسلامية استمرت بالغرب لقرون طويلة، وكانت الأندلس قِبلة الغرب مع وجود هذا التراث، فما علاقة داعش بالتراث؟، ولماذا يحملون التراث ظهور داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية؟، وبالتالى كل هذه افتراءات، وهل نحن قلنا إن كل ما يوجد فى التراث الإسلامى مقدس؟، هذا غير صحيح، لأنه اجتهاد بشرى قيل فى زمانه ومكانه وموضوعه وفق ظروف معينة، فالتراث ليس هو الإسلام، بل هو اجتهاد بشرى يعبر عن وجهة نظر المجتهد تجاه بعض الموضوعات التى توقف أمامها، ولا شك أن هذا التراث به ما هو صواب وبه ما هو غير ذلك، وقد يكون الصواب فى التراث صواباً فى حينه ولا يكون صواباً فى زماننا لأن به ما هو قائم على مقتضيات الزمان الذى ظهر فيه، وهناك مقتضيات جديدة تحتاج لرؤى فكرية معاصرة.
د. نظير عياد: ما حدث فى المؤتمر العالمي بين "الطيب" و"الخشت" مناقشة فكرية قبلها الطرفان
لا ندخل فى مجادلات
نحن فى مؤسسة الأزهر الشريف لا نقبل أبداً أن ندخل فى مجادلات، وما حدث فى مؤتمر الأزهر العالمى بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، كان حواراً فكرياً ومناقشة فكرية وفق المنهجية العلمية قبلها الطرفان، لكن الإشكالية فيمن يحاول أن يفتعل أزمة أو مشكلة، وهذا الطرف يمكن أن تسأله عن سبب ذلك.