حصاد أسبوع مضى..
كسابقه ولاحقه: ليس فى الألبوم إلا صور موتى (إهمالاً أو انتحاراً) وغبار معارك صغيرة، تبتلعها معركة كبرى -معركة حياة أو موت- تخوضها مصر فى الشرق والغرب والجنوب. الدولة تحارب وتبنى وتستميت فى النهوض، والمجتمع ينفجر -أخلاقاً وازدواجية- ويستميت فى ترديه وتهافته وابتعاده عن معركة «نكون أو لا نكون». فى النهاية.. لا إجابات مفرحة أو محزنة، بل أسئلة مقيمة، وعبث، و«مشى بالورب»، والتحدى الوحيد الواضح: أن أحداً لا يفهم شيئاً أو أحداً.. وتستمر الحياة.
الأسئلة أكثر وأثقل من الهم على القلب..
قبل ساعات من كتابة هذا المقال (إن كان يسمى مقالاً) مات شاب واعد هو خالد بشارة، المدير التنفيذى لشركة أوراسكوم. مات إثر اصطدام سيارته بالسور الحديدى لدائرى الجيزة ولم يصبر حتى إسعافه. ناداه قضاؤه وذهب به إلى «جغرافية موت» لا تخلو من دلالة: الطريق الدائرى، حيث يلهث المرء وراء طموحه وانشغاله بالحياة، فإذا بالحياة تنتهى من حيث بدأ. حزن كثيرون لموت خالد بشارة. حزن الذين شبعوا من أعمارهم ومن شغفهم بالحياة، وحزنت شخصياً للأسباب نفسها، رغم أننى لا أعرفه. لقد مات بنّاء طموح. مات وملك الموت يوسوس له (أو هكذا أتخيل): أسرِع.. فساعتك أزفت.
قبل ساعات من موت خالد بشارة.. ماتت صحفية شابة تدعى رحاب بدر التى تعمل منسقة إعلامية لمهرجان الأقصر السينمائى، وكانت فى زيارة للقاهرة بحثاً عن متطوعين للعمل فى إدارة المهرجان. المباحث والنيابة سجلوا فى تقرير الوفاة أنهم وجدوا جثة رحاب مشنوقة بـ«جنش مروحة» معلقة فى سقف غرفة فى شقتها بمنطقة طرة المعادى، ومنافذ الشقة سليمة، وأغراضها الشخصية لم تتعرض لأى عبث. موت رحاب تحول إلى لغز. علامة استفهام. هل انتحرت؟. المعاينة أكدت أن الجثة خالية من أى طعنات أو آثار أعيرة نارية، ومن ثم استبعدت وجود شبهة جنائية، يعنى انتحرت. والأم استبعدت شبهة الانتحار: «نؤمن بقضاء الله وقدره، لكن حق بنتنا لن يضيع». ليس انتحاراً، إذ لا يبدو أن فى حياة رحاب الشخصية ما يدعو إلى حضورها من الأقصر خصيصاً لتلبى موعداً مع ملك الموت فى شقتها (المكان الذى تزوجت فيه وبدأت منه رحلتها). ليس قتلاً أيضاً، إذ يبدو من صورها أنها شابة بسيطة، ميسورة الحال، وديعة، لا تغرى أحداً بإيذائها. لماذا ماتت رحاب إذن؟. لا لشىء إلا لتكون نقطة فى بحر حزن وعبث يسبح فيه الغافلون والقابضون على الدنيا.
اذهب إلى أسيوط، فى صعيد مصر. فشجرة الموت - دوناً عن كل الأحياء - لا تموت. لكن الأنثى أبخس ثمارها!. طفلة تدعى «ندى» (12 عاماً) ماتت إثر عملية ختان. الصعيد ما زال يكره إناثه ويستعجل موتهن فاخترع الختان ويصر عليه. إن لم تمت البنت قضاءً وقدراً.. دفنها بيديه. وإن لم تمت بهذه أو تلك.. ختنها ليقتل فيها شهوتها (هويتها). ماتت «ندى» وقالت زميلتها فى المدرسة إنها كانت متفوقة وتنتظر إجازة نصف العام. وسؤال يأتى من بعيد: أين تجديد الفكر الدينى والاجتماعى من هذا العرف البغيض؟. أين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وهو ابن الصعيد وأحد علمائه؟.
لا يبرح هذا المشهد الواقعى ذهنى، وقد سجلته فى رواية لم تصدر بعد بعنوان (ذائقة الموت).. مشهد ختان طفلة فى الثانية من عمرها، حدث أمامى وأنا صغير:
حاولت الداية «ضاحية» أن تخفف من وطأة حضورها، لكن البنت جفلت، فتركتها تلهو وراحت تعد العدة. قلبت ماجور العجين وفرشت عليه مَحرمة بيضاء وأخرجت من عبها كيس البُن والموسى. طلبت من الأم أن تضع البنت على الماجور، وأن تفتح فخذيها قدر استطاعتها. كلبشت البنت فى رقبة أمها وبدأت تبكى، فأخذتها «ضاحية» من حضنها بالقوة. جأرت البنت وقاومت، وكان قلب الأم يتمزق وهى تتطلع إليها مستنجدة من وراء غلالة الدموع. أجلستها «ضاحية» على الماجور وفتحت فخذيها الصغيرتين وطلبت من الأم أن تضغط عليهما بقوة. فكرت الأم أن تتراجع، لكن «ضاحية» نهرتها وطلبت منها ألا تتحرك وإلا مزَّق الموسى فرْج البنت. بسملت وقبضت بإبهامها وسبابتها على فتيل الشهوة وجزته من جذره. وخلال اللحظات التى مرت قبل أن تعثر على كيس البن كان وجه البنت قد شحب واصفرَّ جلدها، ثم دخلت فى إغماءة، بينما لطخ الدم كرانيش جلبابها الأبيض والمحرمة المفروشة على الماجور. كبست «ضاحية» موضع الجرح بالبن، وطلبت من الأم أن تنقلها إلى الدكة وتحافظ على فخذيها مفتوحتين لفترة. نهضت وغسلت يديها وجلست تنتظر وهْبَتها. لاحظت الأم أن غيبوبة البنت طالت أكثر من اللازم فتوقفت عن التهوية أمام وجهها. ندهت عليها فلم ترد. ربتت على خدها فلم ترد. أمسكت «ضاحية» معصم البنت، ورفعت يدها ثم تركتها تسقط، فأدركت أنها فارقت الحياة:
ما عليهش يا وليدى. مالكيش حظ
ف البنات. شدى حيلك!.