على مدى أكثر من ألفى عام، ومنذ عهد الإغريق، حيث العلم والفلسفة، اجتمع أهل العلم على أن لممارسة الطب قواعد أخلاقية يجب على ممارس الطب ألا يخرج عنها.
ممارسة الطب رسالة إنسانية وليست تجارة ووسيلة لتحقيق الثروة. وظهرت على يد العلامة أبوقراط قائمة الأخلاقيات التى يجب أن يتحلى بها ممارس الطب، يسمى قسم أبوقراط ولا يُسمح للطبيب بأن يمارس الطب قبل أن يقسم هذا القسم الأخلاقى، وإذا خرج عنه أو مارس ما يسمى «العيب» يحاكم الطبيب، وعند إدانته يُمنع من مزاولة المهنة. وقسم أبوقراط انتشر فى جميع بلاد العالم، والجمعية الطبية العالمية أصدرت قائمة بقسمها، وأعلنت أن الطبيب قبل الممارسة يقسم على هذا الالتزام، وكذلك فى العهد الإسلامى كان هناك قسَم، وفى وقت الوالى محمد على باشا عند ابتداء أول كلية طب فى الشرق وأفريقيا صدر فيها قسَم الممارسة. وأنتهز الفرصة قريباً لنشر هذا القسم الجميل الموقع من الحاكم محمد على باشا، ثم اجتمع وزراء الصحة العرب واتفقوا على قسم جميل يحمل كل المعانى الإنسانية الرقيقة، يُخرج المهنة من عملية تجارة أو وسيلة للثروة إلى عمل إنسانى وأخلاقى جميل يحمى أسرار المريض ويراعى احتياجاته للرعاية الإنسانية، بصرف النظر عن كون المريض غنياً أو فقيراً، قريباً أم بعيداً، صالحاً أم غير ذلك، صديقاً أو عدواً، لا يفرق الطبيب فى المعاملة وحقوق المريض الإنسانية.
فى مصر مرت أخلاقيات مهنة الطب بمراحل مختلفة، وكانت هناك أوقات تُحترم فيها هذه المهنة ويمارسها أصفياء ويعطون المثل على النقاء والتزام ممارسيها ولهم نقابة ولائحة آداب للمهنة، يحاسبون على عدم الإخلال بها، ثم أصيبت هذه المبادئ بالسكتة القلبية وبالممارسة المأساوية، وأصبحت المهنة فى بعض الفترات وسيلة للحصول على أكبر عائد مادى، مع اللجوء لوسائل غير تقليدية وغير أخلاقية، خصوصاً فيما يتعلق بالفقراء وغير المتعلمين، حتى اعتقد شباب الأطباء أن الله خلق الأمراض وأصاب بها البشر خدمة ورعاية للأطباء كى يحصلوا على العائد ويجمعوا الثروة. وبدأنا نشاهد ممارسات جديدة لم تكن معروفة من قبل، ومن ضمنها الإعلان عن الممارسة الطبية وصورة جميلة للطبيب تُنشر ضمن إعلانات فى الشوارع (للذى يريد أن يشاهد، هذا الإسفاف والضياع فى شارع النصر فى مدينة نصر وفى شارع صلاح سالم بمصر الجديدة).
هناك من يقول: ماذا عن الثقافة الطبية للمواطنين، من سيتقدم لشرح المرض وطرق الوقاية منه، وهل هذا خطأ يجب الحرص على تجنبه؟ والرد على ذلك أن ثمة دولاً كثيرة بها برامج أخلاقية فى عدم الإعلام عن الأطباء أو التعريف بهم. يظهر طبيب قلب على البرنامج التليفزيونى ليتحدث عن أمراض القلب وكيفية الوقاية والحفاظ على الصحة، وعندما يُسأل من هو هذا الطبيب، يقول مقدم البرنامج: هذا الطبيب من أحد المستشفيات التعليمية يتطوع مشكوراً بالتعريف بالمرض والوقاية منه، ولا يعرف بنفسه أو خبرته وإمكانياته، وكل مرة سيقدم التليفزيون أحد البرامج التعليمية، والتدريب يكون ذلك على لسان أحد الأطباء المشهورين الذين يعملون فى مكان ما من مراكز التعليم الطبى.
نداء إلى السيدة وزيرة الصحة والسيد وزير الإعلام، أرجوا أن تتوقف البرامج غير الأخلاقية التى تقدم دعاية مباشرة لعدد من الأطباء، فليُعرض البرنامج العلمى على وزارة الصحة لأخذ الموافقة والتأكد من البعد عن الدعاية الشخصية أو الترويج لأدوية غير مسجلة فى وزارة الصحة، ويجب أن توافق وزارة الصحة على مضمون الرسالة الإعلامية وعلى التعريف بالأدوية غير مسجلة فى الوزارة، وتهتم بالبعد عن الدعاية، وألا يُدَّعى أن هذه الأدوية هى من النباتات الطبية. وأذكّر المواطنين بأن كثيراً من هذه النباتات ضار بالإنسان، وكان القدماء يستخدمون النباتات الطبية كسموم لقتل المعارضين، ولا ننسَ أن كثيراً من المواد المضرة مثل الحشيش والبانجو والأفيون والكوكا وبعض المواد الفطرية هى مواد تسبب الإدمان وقد تؤدى إلى الوفاة ولا يمكن استخدامها إلا إذا مرت بالإجراءات الخاصة بتسجيل الأدوية وأن تأخذ ترخيصاً من وزارة الصحة قبل السماح لها بالتداول، ويجب أن يرفق بكل دواء نشرة طبية كاملة عن أصل الدواء وتركيبه الكيماوى وإجراء تجارب الدواء على الحيوانات والتجارب على الإنسان الطبيعى للتأكد من أنه آمن وغير ضار بالإنسان الطبيعى. ونطالب وزارة الصحة ووزارة الإعلام ونقابة الأطباء بأن تقوم بواجبها وحماية المواطنين من المواد الضارة، وهذه مسئولية مشتركة من الجميع، وأخص بالذكر المواطن الذى يجب أن يكون لدية الوعى بالحفاظ على صحته.