مع أول يوم دراسة.. "الوطن" ترافق الطالب الكفيف بعد استجابة "التضامن"
مع عودة الدراسة.. الوطن ترافق الطالب الكفيف بعد استجابة التضامن له
مع نهايات يوم التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي، تسلل شعاع ضوء خافت إلى حياة الجد العجوز أحمد وحفيده الكفيف ياسر لينير ظلامها ويهون صعوبتها، بعد تلقيهما مكالمة هاتفية تحمل إليهم البشرى من وزارة التضامن الاجتماعي، تخبر الجد باستجابة الدكتورة نيفين القباج، التي كانت في أسبوعها الأول بمنصبها الجديد، لحالته، وتخصيص مرافق له يصحبه يوميا إلى كليته، يحمل عنه عبء المسافة التي كان يضطر في السابق أن يقطعها يوميا مع حفيده الذي لا يستطيع الذهاب إلى جامعته بمفرده، حينها جلس العجوز السبعيني ليلتقط أنفاسه فرحا بما سمعه من كلمات مبشرة تبدل معها حاله كليا، لم يعد مضطرا للذهاب مع حفيده إلى الجامعة من اليوم، ولم يشعر بقلة الحيلة لعدم قدرته على مساعدته بالمذاكرة، في تلك الليلة فقط ولأول مرة استطاع العجوز أن يغمض عينيه ليلا دون تفكير يؤرق نومه.
مع أول أيام الفصل الدراسي الثاني، رافقت "الوطن" الطالب الكفيف ياسر، الطالب بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، والذي استجابت الوزارة لحالته بعد نشر "الوطن" قصته وتداول صورته بشكل واسع على مواقع التضامن الاجتماعي، أثناء اصطحاب جده أحمد بدوي الذي يبلغ من العمر 79 عامًا، له لتوصيله إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، رحلته إلى الجامعة بعد أن تغيرت ملامحها كثيرا عن السابق، لم يعد الجد مجبرا على تحمل مشقة الطريق يوميا وبات مرافقه الجديد مرشدا لطريقه وصديقا وفيا وأخا كبيرا ومعلما ناصحا وصبورا.
بينما أعلنت عقارب الساعة الثامنة صباحا، وصل على الفور علي عبدالمنعم، المرافق الجديد الذي خصصته التضامن لـ"ياسر" ومعه سائق بسيارة ملاكي خصصتها الوزارة هي الأخرى لتوصيل الطالب إلى الكلية كل يوم بدلا من جده العجوز، وقفت السيارة دقائق قليلة في انتظاره حتى يخرج من بيته بمنطقة العمرانية بمساعدة المرافق علي- بعد أن حرصت جدته على وضع الكوفيه والعمة الأزهرية على رأسه- استند عليه وتشبث بيده حتى لا تتعثر خطواته، ملامحه تعكس ما بداخله من فرح، يبدأ فصل دراسي جديد دون إحساس بالعبء على جده العجوز، يطلب من السائق التعجل، "يلا بسرعة شوية الكلية وحشتني"، ليرد عليه الأخير ضاحكا: "الكلية وحشتك أوي؟" فيجيبه ضاحكا: "طبعا وحشتني وعايز أبدأ مذاكرة".
ياسر: فرحان إن جدي ارتاح
يتذكر الطالب في الصف الأول بكلية أصول الدين الوضع الذي كان عليه من قبل البشرى التي حملتها لهم مكالمة الوزارة، مشوار الكلية الكائنة بمنطقة الحسين كان هما ثقيلا يشغل باله، جده العجوز يعاني من ضعف في عضلة القلب، يود لو أن تبصر عيناه قليلا حتى يعفيه من مشقة الطريق ولكنها إرادة الله، "كنا بنتعب كل يوم عشان نلاقي مواصلة وبزعل عشان جدي بيتعب من انتظاري طول اليوم لحد ما أخلص ويرجعني البيت، الحمدلله إن الوزارة ساعدتنا".
كلمات ياسر التي يرويها لـ"الوطن" عن معاناته السابقة وانفراجة الأزمة من بعد شيق، وتخللها حمدا وثناءا لله على توفيقه، أكملها المرافق له علي، فهو الآخر تلقى مكالمة تخبره بمهمة رسمية جديدة، استدعته الأستاذة سماح رفعت من وظيفته الأساسية في مشروع "رفيق مسن" التابع للتضامن لرعاية المسنين، ليكون رفيقا للطالب الكفيف، "كل يوم الصبح أجيله عند باب البيت وأروح معاه بالعربية لحد مدرج المحاضرة وأستناه ونرجع البيت مع بعض".
مسافة ليست قليلة تقارب حوالي ساعة بالسيارة من بيت ياسر إلى الكلية، يهون طريقه بالحديث مع مرافقه علي وسائق السيارة تارة، وبالغناء الديني الذي يجيده وبالنكات المضحكة تارة أخرى، حفظ تفاصيل الطريق ومنحنياته حتى إذا سكنت محركات السيارة أمام باب كليته استعد بنفسه لفتح بابها بيده ليأخذ بيده مرافقه خطوة بخطوة حتى يتركه داخل مدرج قاعة المحاضرة وسط زملائه.
ياسر: محتاج جهاز تابلت أو محمول أذاكر بيه دروسي
بالبرامج الصوتية منذ اليوم الأول للمهمة الجديدة التي أُسندت إلى المرافق علي، بدأ مع ياسر مذاكرة دروسه وكان حينها على أعتاب امتحانات الفصل الدراسي الأول، لم يضيع وقتا معه حتى جاء موعد الاختبارات، وتمكن الطالب من الإجابة على ما استطاع من الأسئلة.
رغم الجهد المبذول، مذاكرة المرافق علي للطالب ياسر وقراءته محتوى الكتب الدراسية عليه شفهيا ليست كافية لتثبيت المعلومات في ذاكرته، فالطالب الكفيف في حاجة إلى جهاز كمبيوتر أو"تابلت" حتى يستطيع مراجعة دروسه بواسطة البرامج الصوتية الناطقة بعد أن يتركه مرافقه، يشكو عدم قدرته على استخدام الكتب الدراسية التي صرفتها له الجامعة "لأنها مش بطريقة برايل مش عارف أستفيد منها بعد ما الأستاذ علي بيمشي"، حسب تعبيره.
الجد وحفيده يحلمان بلقاء الرئيس السيسي والقباج لشكره
ساعات مضت انتهى معها اليوم الدراسي لـ"ياسر" كان المرافق المكلف من التضامن في انتظاره بالخارج، ليتكرر المشهد السابق وصفه، وانطلقت السيارة بهم إلى بيته المتواضع، ولكن هذه المرة وجد جده العجوز وجدته في انتظاره، المشهد اختلف كثيرا بعد رعاية التضامن له، إحساس وصفه الجد الذي قارب على إتمام عامه الـ80 بارتياح بعد سنوات مشقة، أبى أن يستسلم فيها لظروفه الصحية وأصر على اصطحاب حفيده الوحيد الذي يعيش معه بعد أن تركه والده دون عودة، "الوزارة ربنا يكرمها أنقذونا وساعدونا".
"تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير"، آيات من سورة الملك ارتفع بها صوت "الشيخ ياسر" بعد عودته من يومه الدراسي، كما اعتاد أو يتلو آيات القرآن بصوته على جده وجدته ومرافقه، فرحا بنعمة الله عليه أن هداه لحفظ كتاب الله الكريم، انتهت بأمنيات وأحلام تجول في صدره تمثلت في لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي ليروي عليه قصة كفاحه رغم حرمانه من بصره منذ ولادته ولتكريم جده عن تعبه معه سنوات طوال، إلى جانب حلمه بلقاء الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، "عايز أقولها شكرا لأني كنت حزين ومش عارف أعمل إيه وساعدتيني".
وكانت وزارة التضامن الاجتماعي، استجابت لما نشرته "الوطن" عن الجد أحمد بدوي الذي يبلغ من العمر 79 عامًا والذي يقوم بتوصيل حفيده الكفيف ياسر لكلية أصول الدين.
وقال الدكتور محمد العقبي، المستشار الإعلامي للوزارة عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "استجابت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة نفين القباج، لما نشرته جريدة الوطن حول حالة الحفيد والجد عم أحمد بدوي 79 عاما، وحفيده ياسر الطالب الكفيف بكلية أصول الدين ووجهت وزيرة التضامن الاجتماعي بتوفير مرافق وتحمل نفقات انتقال ياسر يوميا من منزله إلى جامعته ودراسة حالة الأسرة ومدى استحقاقها لما تقدمه الوزارة من برامج الدعم والخدمات المتنوعة".