الموت يُغيب "ماجدة".. لكن الحب حي في قلب "حسني"
من أيام زمان: "أمل حياتي"
محمد حسنى يروى تجربة حب من أيام زمان
على مقهى شهير بمنطقة الشادر، يجلس «محمد»، ابن حى حدائق القبة، ضابط الصف فى القوات المسلحة آنذاك، يشاغل «ماجدة»، الشابة الحسناء ممشوقة القوام، التى أحبها فور أن رمقتها عيناه، يراقبها لشهور، وهى تنتبه له من وراء نافذة منزلها، هكذا كان الحب سنة «81»، الذى ربط بين قلبى محمد وماجدة لسنوات طويلة.
محمد حسنى، ضابط متقاعد، يملك من العمر 64 عاماً، عاش قصة حب حقيقية، ليست كرومانسية الأفلام، امتدت لما يقرب من 4 عقود من الزمن، لم ينبض قلبه خلالها إلا بحب «ماجدة»، فكانت على حد قوله، الصديقة التى خبأ معها أسراره، والحبيبة التى فتح لها قلبه لتسكن فيه، والزوجة التى كانت بمثابة بيت كبير يحتويه، والأم التى سهرت لتربية أبنائه.
منذ أن رأى «حسنى» حبيبته لأول مرة، شعر بأن قلبه يحدثه، «هى دى اللى بندور عليها»، بحسب ما يروى لـ«الوطن»، كانت تلعب «الأولى»، تلك اللعبة التى يرمى فيها الصغار الحجارة ويقفزون من حولها، و«حسنى» يشعر بأن قلبه يخرج من بين ضلوعه مع كل حجر تلقيه حبيبته، بنت الـ15 عاماً، كان يكبرها حينها بـ9 سنوات، ولكنه أبداً لم يشعر بفارق السن بينهما.
الزمن عام 1981، الجوابات كانت وسيلة عم حسنى المثلى فى التقرب لحلمه، فعلى الرغم من أنه كأغلب شباب جيله كان يغازل الفتيات بها دوماً، إلا أن جواباته لحبيبة عمره كانت مختلفة، «كنت أكتب الجواب من دول وابعته للبنت اللى تعجبنى تدوخ على طول، بس لما جيت أكتب لماجدة ارتبكت، رُحت اشتريت قلم حبر مخصوص سعره كان بـ20 قرش، وكتبت كل اللى جوايا فى ورقة بخط حلو وحطيتها فى ظرف وقفلته»، قلب محمد كان يرتعد خوفاً وهو يحكم إغلاق الجواب، خوفاً من أن يقع فى يد عمه، الذى وعده بأن يخطبها له فى فترة الصيف المقبل.
جوابات محمد كان لها تأثير السحر على قلب «ماجدة»، التى رغم صغر سنها إلا أنها تعلقت به، خاصة بعدما تقدم لخطبتها، تلك اللحظة التى طالما حلمت بها الصغيرة بأن يكون الشاب ذو الشعر الأسود الكثيف والعينين اللامعتين من نصيبها، «لما أهلها وافقوا الفرحة مكانتش سايعانى». فترة الخطوبة بين عم حسنى وماجدة، كثرت خلالها الجوابات التى احتوت على كلمات صادقة من القلب، ولم تخل من بعض الشطب لخطأ ما أو كلمة ليست فى محلها، «كنت بقعد عندهم من المغرب لبعد العشا بشوية، وأنا ماشى بسيب لها جواب وتسيبلى جواب، آخده معايا وأنا مسافر الجيش، أسهر كل يوم أقراه وأشم ريحته، وأقول يا ترى شطبت إيه عشان مقراهوش.. ياااه أيام ما كنا حبيبة زمان».
عام ونصف، كانت فترة خطوبة الثنائى، بعدها زفت العائلة نبأ زواجهما، شهر أغسطس عام 1983، الذى انتقل عم حسنى بعد 6 أشهر منه إلى وحدة أخرى فى الجيش ببنى سويف، ثم إلى مرسى مطروح، لتبتعد عنه حبيبته، ويصبح الرابط بينهما وسيلة الاتصال التقليدية فى المنازل قديماً، «كنت بكلمها على عدة التليفون السلك، كان فيه واحد جارنا عنده تليفون، كلنا معانا رقمه، فكنت بتصل بيها من هناك كل كام يوم، وهما ينادوا عليها فتنزل جرى عشان تكلمنى».
قطار العمر مر سريعاً، بعد عام جاء «رامى» ابنهما الأول ثم تلاه 4 آخرون، حتى وصلت «مى» آخر العنقود منذ 18 عاماً، ليضيفوا إلى حياتهم البهجة، «رغم إن كان فيه متاعب فى حياتنا، بس فرحنا سوا بكل عيل اتولد، طول عمر أم رامى شايلانى، ورغم إننا كنا دايماً نناكف بعض بس محبتش غيرها».
فى ظل مشكلات الحياة وصعوبتها أحياناً، عاش الحب بينهما يظلل منزلهما، ولكن القدر كان له رأى آخر، حينما بدأ مرض السكر يتمكن من جسد «أم رامى»، لمدة زادت على الـ10 سنوات، لم يتركها خلالها حسنى لحظة واحدة، حتى استسلمت له فى النهاية، ورأى الأطباء أنه لا مفر من بتر ساقها اليمنى، «حسيت إن رجلى أنا كمان اتقطعت، واتمنيت أكون أنا مكانها».
يبدو أن «أم رامى» أبت إلا أن تظل أمام أعين زوجها فى صورة «ماجدة الجميلة» التى أحبها، دون أن ينقصها ساق، لذا ودعته فى هدوء داخل أحد المستشفيات، فى مارس من العام الماضى، لتترك حبيبها وحيداً يواجه الحياة منفرداً، «الله يرحمها.. منسيتهاش ولا عمرى هنساها».
"حسنى": البيت بقى لا يطاق من غيرها.. مانسيتهاش ولا عمرى هنساها
الرجل الستينى لم يعد حاله كما كان بعد وفاة رفيقة رحلته، «البيت بقى لا يطاق مبحبش أقعد فيه من غيرها، بستنى أنزل أصلى عشان أقعد فى الشارع، واستناها وانا متخيل إنها هترجع من السوق شايلة الأكل، حقيقى حسيت بقيمتها أكتر»، وعلى الرغم من أن أبناء عم حسنى يعيشون حالياً حوله، محاولين إسعاده بشتى الطرق، إلا أن صورة «ماجدة» لم تفارقه قط، «ولادى ربنا يخليهم ليّا ماليين عليّا حياتى، بس محدش قادر يملى الفراغ اللى هى سابته».