"أميرة" تغفر لزوجها غلطة السجن و"سهام" تشتاق لحبيبها المسجون
في التخشيبة: "أنساك.. ده كلام"
حب في التخشيبة
رغم البرد الشديد والرياح العاصفة التى كانت تضرب كل ما حولها من أشجار ومبانٍ، وبينما يحاول المارة الاحتماء من الأمطار بأى سقف، إلا أن أميرة سعيد وقفت أمام أبواب سجن الاستئناف بمديرية أمن القاهرة ومعها أطفالها الثلاثة بثبات، كانت تفكر فى شىء واحد كيف تعبر لزوجها المسجون عن شوقها إليه عندما تراه فى موعد الزيارة.
30 دقيقة تستعد لها «أميرة» بكل شكل ممكن، سواء بملابس جديدة، أو ميك أب رقيق يخفى حجم المسئولية الضخمة التى تحملها على عاتقها: «هو فى النهاية أبوعيالى، ماليش غيره».
تهدهد «أميرة» طفلها الذى لم يتجاوز العام ونصف العام بعد أن بدأ فى البكاء، بينما تطلب من ابنها الكبير «يوسف» حمل بعض الأغراض عنها، تبتسم وهى تراه يحاول بكل وسيلة مساعدتها، فرغم أنه ابن طليقها، فإنه لم يعاملها يوماً بقسوة أو بطريقة غير لائقة بل على العكس كان دائماً سنداً لها فى غياب والده: «جوزى كان مطلق وعنده ولد، اتجوزنا من 6 سنين تقريباً، وخلفنا 3 عيال، يوسف عنده 16 سنة هو بالنسبة ليهم مش أخ بس، ده كل حاجة فى الدنيا، وبعد ما دخل أبوه السجن، بقى هو دراعى اليمين فى كل حاجة».
تعمل «أميرة» ممرضة فى أحد المستشفيات، وهى المسئولة عن الإنفاق على الأبناء بشكل كامل، بجانب توفير مستلزمات زوجها داخل السجن، الذى ما زال أمامه عامان حتى يتم الإفراج عنه، قائلة: «بعد ما جوزى اتسجن، بقيت أنا المسئول الأول والأخير عن الإنفاق، وعلشان أقدر أوفر احتياجاتهم كاملة لأنهم فى مراحل دراسية مختلفة، بضطر أشتغل بالليل فى مستشفيات خاصة، وهو لما اتسجن على حاجة حصلت حتى قبل ما نتجوز بسنين، وكانت غلطة، وكل أمنيتى إنه يخرج ويتلم شملنا من تانى».
أمام قسم الشرطة، تنتظر «سهام» زيارة زوجها كل أسبوعين دون ملل، تقف وفى يديها كل ما لذ وطاب، تراقب الخطوات حتى يؤذن لها بالدخول لدقائق معدودة، ثم تغادر باكية متمنية أن تحدث معجزة ويخرج قبل قضاء مدته.
١٥ عاماً قضى منها عامين فقط، تحاول «سهام» بكل الطرق إيجاد طريقة لخروج والد أطفالها الأربعة، استعانت بمحامٍ ودفعت له مبلغاً وقدره، وطعنت فى الحكم دون جدوى، لم تتغير نظرتها لحب حياتها وشريك عمرها رقم النطق بالحكم ضده، تدافع عنه ظالماً أو مظلوماً، لا يهمها سوى أنها تحبه وعلى استعداد أن تدعمه وتسانده حتى الموت.
تحكى أنه كان يعمل أمين شرطة وتورط فى قضية انتحال شخصيات حكومية، مؤكدة أنها لم تخبر أطفالها بحقيقة الأمر فى البداية وأخبرتهم بأن والدهم مسافر وسيعود قريباً، لكن بعد الحكم انهارت ولم تعد تقدر على إخفاء الحقيقة: «ولادى سمعونى بعيط وبقول حرام ١٥ سنة يضيعوا من عمره». فتحت عينيها على الحياة وجدته بجانبها وهى ابنة ١٤ عاماً، استمرت خطبتهما ٥ سنوات ثم تزوجا وعاشا معاً ١٦ عاماً متواصلة، تحكى أن حياتها كانت مليئة بالحب: «حسن واخدنى طفلة وعيشنى أحلى سنين عمرى، هستناه اللى باقى منى»، تتحدث عنه بحب مغلف بحزن وفقد شديد لشريك العمر الذى لم تر منه مكروهاً طيلة حياتها، لدرجة جعلتها ترفض الذهاب لبيت أبيها فترة سجنه حتى تستعد ذكرياتها معه كل ليلة، تحكى لأطفالها أن والدهم برىء وسيعود لحضنهم قريباً. تزوجت منه قبل أن يحصل على فرصة عمل، كافحت معه كأى زوجة أصيلة وظلت بجانبه فى أحلك ظروفه، لافتة إلى أنه عرض عليها الطلاق حتى لا تشعر بالحرج ولكنها رفضت بشدة: «هستناه العمر كله».
تشيد بعطفه عليها ومعاملته الحسنة لها على مدار ١٦ سنة زواج: «ده اللى مخلينى متمسكة بيه دلوقتى»، تخفى عنه تعبها وقلة حيلتها وسوء حالتها النفسية بسبب غيابه عن أبنائه الذين لا يكفون عن السؤال عنه، وهى تخفف عنهم رغم ألمها: «عيشنى أحلى قصة حب قبل وبعد الجواز»، تصف ذلك الموقف بصدمة عمرها التى لن يأتى مثيلها أبداً، يكفيها رؤيته فى الشهر مرة، متمنية أن يقضى نصف المدة ويخرج.
فى كل زيارة تكتب له جواب غرام تعبر عن مدى فقدها له وحبها الذى لن يزول مهما طالت المدة، تطمئنه عليها رغم خوفها من العيش بمفردها مع صغارها، تتونس بذكرياته حتى يعود، لا تلتفت لحديث الناس، فقط تدعو له بالخروج لاستئناف حياتهما معاً.