"نورا" تجاوزت مرضها بدعم زوجها.. و"مريم" أحبت مريض "فصام"
في العيادة النفسية: "أهل الحب صحيح مساكين"
على شعبان يعالج ووالدته فى عيادة نفسية واحدة
عندما تنظر نورا الشيخ إلى صورة زفافها مع زوجها منذ 9 سنوات، لا تتذكر فقط تفاصيل الزفاف ومشاعر الخوف والربكة، التى تصيب الفتيات فى مثل هذا اليوم، بل تجتاح كيانها مشاعر امتنان، تنتهى بتنهيدة راحة، فلولا دعم زوجها وتفهمه لطبيعة مرضها النفسى، لأصبحت حياتها شبه مظلمة.
بعد زواج «نورا» بسنوات قليلة، بدأت تنتابها مشاعر غير مفهومة أو مبررة، سواء فى الجلوس بالأيام فى السرير دون رغبة فى الحركة أو فعل شىء، أو بالتفكير فى الانتحار للتخلص من حياتها التى كانت ترى أنها بلا أى جدوى: «بالنسبة للكثيرين لم يكن هناك مبرر لما أفعله سوى الدلع، فزوجى المهندس يوفر لى مستوى معيشى طيب، وابنتى الصغيرة تكبر أمامى يوماً بعد يوم، والأهم من ذلك أننى حولى عائلتى وأصدقائى الذين يكنون مشاعر الحب لى بلا شروط».
كانت المشكلة تزداد لدى «نورا» التى حاولت كثيراً الخروج من دائرة ما اعتبرته اكتئاباً بلا مبرر، واختارت أن تشغل نفسها بالهوايات والأنشطة، مثل التنس، الكتابة، البيانو: «الحقيقة أن رغم هجوم الكثيرين عليّا، بمن فيهم أمى نفسها، إلا أن محمد زوجى لم يسر على نفس الخطى، بل حاول بشتى الطرق إخراجى من تلك الحالة النفسية حتى قررت الذهاب إلى طبيب نفسى».
مع ذهاب «نورا»، 34 سنة، خريجة كلية هندسة، إلى طبيب نفسى بدأت حالتها تتضح، حيث اكتشفت إصابتها بما يطلق عليه «اضطراب الشخصية الحدية»، الذى يجعلها غير متزنة فى مشاعرها، وأحياناً كثيرة تتسم بالاندفاعية فى سلوكها العادى: «فى البداية ذهبت لطبيب كان يعطينى الكثير من الأدوية، بحجة إنى مريضة بالاكتئاب، وعندما بدأت أشعر بالتأثير السلبى لهذه الأدوية على صحتى، قررت الذهاب لطبيب آخر، وقتها طلب منى الطبيب أن يحضر معى زوجى، وجلس مع كل واحد فينا على انفراد، ثم أخبر زوجى أننى مريضة نفسياً، وأن أى مشكلة نمر بها أنا السبب، ولا يوجد علاج لحالتى، فلم أذهب له مرة أخرى، ثم ذهبت إلى طبيب ثالث، لم أرتح له، وأخيراً ذهبت إلى طبيبتى الحالية، التى شخصتنى بشكل صحيح، وما زلت أتابع معها».
تعتبر «نورا» أن تسامح زوجها، وتفهمه، وصبره عليها هو أساس استقرار حالتها، الذى بدأت تجنى ثماره حالياً، من التعرف على ما تريد فعله فى حياتها، والتفاهم مع ابنتها «لارا» 7 سنوات. تبتسم وهى تنظر إلى صورة زفافها وهى تشير إلى أن الحب فى كثير من الأحيان يكون هو الداعم الحقيقى لأصحاب المرض النفسى وليس الدواء: «وجود فرد من العائلة أو زوج أو صديق، مؤمن بك رغم مرضك يغير شكل الحياة حرفياً بالنسبة لنا».
فرحت مريم الحسينى كثيراً بذلك الزوج «المودرن» الذى تقدم لها، وقرر أن ينقلها من قريتها الصغيرة النائية فى محافظة المنوفية للحياة معه فى مدينة بنها بمحافظة القليوبية. فالمسافة الصغيرة التى لا تستغرق أكثر من ساعة، تجعل أحدث الملابس والعادات تنتقل إليها بكل سهولة، كما أن العريس -كما أخبرتها والدتها- يعمل فى مجال العقارات فى إيطاليا، ما سيوفر لها حياة رغدة مليئة بالرفاهيات.
ما بدا أحلام وردية، سرعان ما تحول إلى كابوس بعد مرور 10 أيام فقط على الزواج، حيث اكتشفت ما صدمها لفترة طويلة من الوقت، وهى أن زوجها مريض نفسى بالانفصام أو ما يطلق عليه «شيزوفرينيا»: «لم تكن صدمتى فى أن زوجى مصاب بمرض نفسى هى الأقسى، بل كانت أن والدته اختارت أن تزوجه من محافظة أخرى حتى لا يعرف أهل الزوجة بمرض ابنهم، لأنهم عندما حاولوا تزويجه من بنات العائلة أو الأصدقاء رفضن جميعاً بسبب ذلك».
21 عاماً هى رحلة زواج «مريم» من «إبراهيم» ومستمرة حتى الآن، رغم أنها كانت تظن أنها الأسوأ فى حياتها: «لا يمكن أن أصف نفسى بالملاك، فقد كنا نتشاجر كثيراً، وغادرت المنزل مع بناتى عدة مرات، بل وطلبت الطلاق أكثر من مرة، وفى النهاية كنت أتذكر مدى احتياجه لى فأعود».
عندما فتح على شعبان عينيه على الحياة، عرف أن والدته استقبلت وفاة والده بصدمة نفسية عميقة، تسببت فى إصابتها بمتلازمة «تململ الساقين» وتقلبات مزاجية زادت حدتها، عما كانت عليه قبل وفاة الوالد، ولكنه لم يتوقع أن بعد هذا التاريخ بأكثر من 15 عاماً، سيدرك أنه هو الآخر مصاب بمرض نفسى هو «البيبولر» أو «الهوس الاكتئابى»، لتبدأ رحلة الدعم بينهما، فكلاهما يذهب لنفس الطبيب، وكلاهما يقدم للآخر المعنى الحقيقى للحب.
«والدتى جاءها خبر وفاة والدى بعد زواجها بسنة تقريباً فشعرت بصدمة، ظلت غير قادرة على الحركة تماماً لثلاثة أيام، كان ذلك عام 1991، ولأنها كانت مصابة قبل هذا الوقت بتقلبات مزاجية، ازدادت حدة تلك التقلبات، وكنت أنا المستقبل الوحيد لها»، يقولها «على» 29 عاماً.
بعد تخرج «على» فى كلية الآداب قسم فلسفة، ومروره بأزمة نفسية ثم اكتئاب، سعى لمعرفة طبيعة حالته، ليكتشف إصابته بـ«الهوس الاكتئابى»: «كنت أخاف أن أخبر والدتى بأننى أذهب لجلسات علاج بالكهرباء حتى لا تحزن ولكنها كانت تدرك بفطرتها، كنت عندما أحتاج للمال لشراء الأدوية باهظة الثمن، كانت لا تبخل علىَّ، وتقدم لى كل ما أرغبه، وكانت تقوم بالكثير من المشروعات المنزلية، مثل صنع الحلويات أو الطعام أو الملابس اليدوية وبيعها من أجل توفير المال لى».