كبير عائلة العائد من العراق بعد 34 عاما يحكي لـ"الوطن" سطور من أسرار حسانين
كبير عائلة العائد من العراق بعد 34 عاما يحكي لـ"الوطن" سطور من أسرار حسانين
أكثر من ثلاثة عقود مضاها بعيدا عن الأرض والأهل، فخرج الحسانين عبد الحي شلبي وهو في الـ52 من عمره باحثا عن الرزق في أرض العراق، ليعول أبنائه الـ5 وزوجته، وماكدا أن دبت قدميه أرض دجلة والفرات حتي اندلعت حرب الخليج ليجد نفسه في مأزق بعد أن أغلقت كل السبل به للعودة، ولا يبقي من رباط الوقت مع عائلته سوي الخطابات التي يطالبهم فيها بالمجيئ اليه ويلحق بها بعض من الأموال اللازمة لمعيشتهم.
على مدار 4 أعوام، ظل "حسانين" يراسل العائلة في خطاباته، يطمئنهم عليه بتسجيلات صوتية إلى أن تفاقمت الأوضاع وحدث غزو العراق للكويت في عام 1990، وما تبعه من أحداث عاصفة، لينقطع حتي رباط الصلة الوحيد بينه وبين والعائلة، ويطير حسنين في خانة المفقودين، لا أحد يعرف بماذا حكم عليه القدر.
30 عاما مضاها الشاهد المصري الصامت على الأحداث، يري توترات الأوضاع بدءً من غارات أمريكية على الأراضي العراقية، وحرب دولية شنت ضد نظام صدام حسين وحصار على مختلف الأصعدة شهدها عقد التسعينات بأكمله، ومع الألفية الجديدة كانت محطة أخرى في غزو العراق في عهد إدارة جورج بوش، وتباعتها التخريبية التي أكملت عقد الألفية الأولى، وما أن حل العقد الثاني من الألفية فكان تغيب العراق في ظلمات الإرهاب ما بين فروع القاعدة وإذنابها التي تجسدت في منتصف ذلك العقد بمولد الإرهاب الجديد داعش، كل ذلك والرجل يكمن في صمته لا أحد يعرف عنه شيئا لتأتي أخباره ويفك عنه حظر اللسان ويبدأ في البوح بمشاعر الحنين لوطنه وأهله ليجد من يأخذ بيده ويساعده في الوصول إلى أهله مع حلول الشهر الأول في 2020.
بمنشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ظهرت فيه هيئة رجلا كسي الشيب راسة وتخللت التجاعيد إلى وجه بحكم الزمن، إلا أنه وسط كل هذه الملامح المتغيرة تعرفت عليه العائلة وبدأوا في التواصل مع المواطن العراقي الذي كتب منشوره على أحدي الصفحات المصرية، لتأخذ الجهات المعنية ووزارة الهجرة زمام المبادرة في البحث والتحري وتنهي بالتعاون مع عائلته إجراءات العودة إلي مصر، ويكون 21 فبراير 2020 يوم طويت فيه صفحات تحوى أسرار وأحدث في حياة الرجل الثمانيني وتفتح صفحات جديدة مع العائلة على أرض الكنانة.
يروي الحج سعد شلبي كبير عائلة الحج حسنين وابن عمه بعضا من السطور في صفحات العائد من العراق والذي خرج في عام 1986، باحثا الرزق في العراق وتاركا 3 أولاد هم محمود وإبراهيم، وسيد، وبنتين في سن الزواج، "خرج من مصر راجل فاتح بيت وعنده مسؤولية ورجع جد عجوز"، مشيرا إلى أنه لم تمر عليه شهور قليلة حتى حدثت حرب الخليج وكان على تواصل مع العائلة التي طالبته بالعودة، إلا أنه اخبرهم بأنه لا يستطيع بسبب الحصار المفروض واجواء حرب الخليج، وطلب من زوجته أن تأتي أليه بعد أن تزوجت ابنتيه.
مرسلات عدة بين الزوج حسانين وأم أولاده، استقر فيها على أن تأتي إليه في العراق، وبالفعل انهت اجراءات السفر على يد شقيقه سعد "رحمه الله"، ووصلت إلى الأردن ومعها والديه ومكثت بها لمدة شهر كامل لم تستطع فيها الدخول إلى العراق بسبب أجواء الحرب، ولما نفذت الأموال معها اضطرت إلى العودة لمصر من جديد، وظل التواصل بينها وبين زوجها لمدة 4 أعوام كاملة يراسلها ويطمئن كلا منهم على الآخر ويبعث لها وأولادها مصاريف المعيشة، حتي جاء عام 90 وانقطعت كل سبل التواصل معها.
طيلة العقود الماضية حاول الأهل معرفة أي معلومة تدلهم على حسنين لكن دون جدوى، واستمر ذلك لسنوات عدة حتى ضاقت بهم السبل ويأسوا من معرفة مصيره، ليأتي إليهم منشور حارس محافظ البصرة، عبر الفيسبوك قبل شهر ويتعرفوا عليه وتبدأ العائلة بمساعدة ابن عمهم المستشار محمد شلبي والمقيم في الامارات في التواصل مع الجهات المعنية من أجل إنهاء أوراق عودته بالقنصلية العامة في البصرة وإجراء الاستعلام الأمني عنه للتأكد من عدم وجود أي أمر يعيق عودته حسب ما يؤكد سعد شلبي.
فرحة كبيرة عمت أرجاء مطار القاهرة الدولي فور وصول العائد من العراق الذي حضر العديد من أفراد العائلة لاستقباله، "فاكر كل حاجة وكل تفصيله عن عياله لكن الأشكال والملامح اتغيرت"، هكذا يصف سعد اللحظات الأولي التي بدا فيها حسنين مذهولا وفرحا في الوقت ذاته بأنه في أحضان أهله، والتي كان فيها سعد مرشدا لهم للتعارف على أبنائه واحفاده، "رغم أن هو نسي ملامحهم إلا أنه فاكر كل تفصيله عنهم، حتي قال لمحمد الكبير انت شغال حداد ولما قاله لا ميكانيكي قاله لا انت بتضحك عليا أنا موديك ورشة الحدادة بأيدي قبل ما اسافر".
وسط أجواء الود والمحبة والدفء في أحضان العائلة، بدأ حسنين يتحدث شيئا فشيئا معهم، ويطمئن على أحوالهم، إلا أنه لم يبوح بعد بأسرار 30 عاما من الصمت، قضاها في أرض العراق، "محدش فينا اتكلم معاه في حاجة سايبينه لما يفتح قلبه ويتكلم لوحده المهم أنه رجع لأحضانا تاني".