يشهد العالم تحولات وتغيرات للتعامل مع الثورة المعرفية، وإبراز قيم التعايش والمواطنة والفهم المنضبط للإسلام، من خلال مقاصده العليا والسنن الإلهية الضابطة لأصول التعامل والتعايش الآمن، ومن هذا المنطلق خطت «جامعة القصيم» بالمملكة العربية السعودية خطوة مهمة ضمن عدد من الترتيبات التى من شأنها تجلية مظاهر التعايش الآمن سواء داخل المملكة أو مع دول العالم أفراداً ومؤسسات، بغض النظر عن المذاهب الفقهية والقبلية، ليحظى الجميع بنفس الحقوق والواجبات.
جامعة القصيم أقامت مؤتمراً مهماً الثلاثاء الماضى 24/6/1441هـ، عنوانه: «جهود المملكة فى ترسيخ قيم الاعتدال والتعايش الحضارى: المفاهيم والممارسات»، وحظى برعاية صاحب السمو الملكى الأمير الدكتور «فيصل بن مشعل بن سعود»، أمير منطقة القصيم، الذى لفت النظر إلى أعظم مظهر من مظاهر التأصيل لقيم التعايش، وهو اجتماع المسلمين فى الحرمين الشريفين من جميع الجنسيات والمذاهب.
وحظى المؤتمر أيضاً برعاية الأستاذ الدكتور «عبدالرحمن بن حمد الداود»، مدير الجامعة، والأستاذ الدكتور «عبدالله بن عبدالمحسن» التركى المستشار بالديوان الملكى، والدكتور «عبدالله الفوزان»، أمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطنى، وراعى المؤتمر فضيلة الشيخ «منصور بن على القرعاوى»، وحين تنظر إلى كلمات المشاركين تشعر بمدى إصرارهم على عمل نافع يحمل أهمية قصوى فى هذا التوقيت تحديداً.
وكالعادة يتألق الحضور المصرى، فبدعوة كريمة من الجامعة شارك فى المؤتمر فضيلة الدكتور «أسامة الأزهرى»، العالم الأزهرى المعروف، والمستشار الدينى للسيد رئيس الجمهورية، وفضيلة الشيخ الجليل «محمد عبدالباعث الكتانى»، وكانت محاضرتهما معبرةً عن مصر وعلاقاتها الفكرية والتاريخية والروحية بشقيقاتها، خاصة السعودية، ومعبرة عن المنهج الإسلامى المنضبط، الذى يحقق المصالح الإنسانية والحضارية.
فالدكتور «الأزهرى» تناول جهود المملكة فى الاعتدال من خلال نماذج متنوعة، كرابطة العالم الإسلامى، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والمركز العالمى لمكافحة التطرف «اعتدال»، ووثيقة مكة المكرمة، التى نصت على مكافحة الإرهاب والظلم والقهر ورفض انتهاك حقوق الإنسان، وأثنى على رعاية المملكة للمدارس الإسلامية الكبرى التى أمضت قروناً فى ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية كالأزهر الشريف.
أما رئيس ومدير الجامعة الأستاذ الدكتور «عبدالرحمن بن حمد الداود» فأكد فى كلمته وفى محافل علمية أخرى عزم المملكة على السير بخطى ثابتة لتحقيق الأهداف المنشودة فى ظل واقع عالمى تتجاذبه الاستقطابات والتحولات، مستصحباً دستور المملكة القائم على كتاب الله وسنة رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- وخارطة طريق لتنمية مستدامة نحو وطن طموح، واقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوى، يقوم على الإنسان السعودى الذى هو عمادها وجوهرها، وهو أمر يلقى تأييد مصر والعالم.
إن كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبدالعزيز» فى افتتاح الرؤية الشاملة للسعودية، التى قال فيها: «هدفى الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً فى العالم على كافة الأصعدة»، ثم كلمة صاحب السمو الملكى الأمير «محمد بن سلمان»، التى قال فيها: «رؤيتنا لبلادنا التى نريدها: دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام، ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر»، هذه الكلمات بدأت تتحول من خلال «جامعة القصيم» وقياداتها ومؤسسات وعلماء السعودية إلى واقع ملموس، فظهرت مؤتمرات وندوات ونشاطات تؤكد على الإنسانية وقيم الاعتدال والوسطية، ودعوة الإسلام لذلك، والحفاظ على مؤسسات الدولة السعودية الوطنية، والوقوف ضد التأويلات المنحرفة التى تستند عليها التيارات السياسية المنتسبة للإسلام، التى قدمت أطروحات دينية حماسية، تحرك المشاعر والعواطف، وتفتقد أدوات الفهم والاستنباط، وتلصق بالإسلام أفهاماً حائرة، ومقولات مضطربة، لذا نرى اليوم سعياً سعودياً حثيثاً مشتركاً لمواجهة التطرف، وقبول الآخر، وتجديد الخطاب الدينى بأن يعاد إلى الدين رونقه، ويزال عنه ما علق به من أوهام، وهم فى ذلك يلقون كل الدعم من القيادة السعودية العليا.