تعود فكرة مشاركة القطاع الخاص فى بناء المدارس بنظام «PPP» إلى ما قبل عام 2012/2013 تقريباً، حينما تقدم بعض المستثمرين لوزارة التربية والتعليم يعرضون إمكانية قيامهم ببناء أى عدد من المدارس من خلال النظام المشار إليه، مشاركة منهم فى مواجهة قضية الإتاحة التى تعانى منها الوزارة، وقد تم آنذاك بحث المشروع من قِبل الوزارة والمستثمرين، ثم توقف ولم يكتمل ربما لتعاقب التغيرات الوزارية التى حدثت فى تلك الفترة.
وبعد أن شرفت بتكليفى بالوزارة فى سبتمبر 2015 طالب بعض المستثمرين باستكمال المشروع، ومن ثم تمت دراسة الملف من جديد والتقيت بهم أكثر من مرة وطرحت عليهم بعض الاستفسارات، وبعد أن أجابوا عنها خرجنا فى الوزارة بعدة حقائق، أهمها أن بناء هذه المدارس لن يكون بمثابة هبة، وإنما استثمار فى شكل قرض يقدمه المستثمرون للوزارة، ويتم استرجاعه خلال عشر سنوات، وتُحصل عليه فوائد بسعر الفائدة المعلنة على أذون الخزانة من قِبل البنك المركزى (14-15%) آنذاك، أى إنه ليس قرضاً حسناً، كما أن التمويل من الوارد أن يتم عن طريق اقتراض المستثمرين من البنوك الوطنية بضمان المشروع والاستفادة من سعر الفائدة التى كفلها القانون فى مثل هذا النوع من الاستثمار وهى 7%. هذا بالإضافة إلى حقائق مهمة أخرى، تتمثل فى أن المدارس سيتم تسليمها للوزارة بعد الانتهاء من بنائها مباشرة، ولن يكون للمستثمر أدنى مسئولية مالية تجاه إدارتها أو تعيين معلمين أو عمال أو إداريين لتشغيلها، وفى حالة طلب إجراء صيانة سنوية لها سيتم ذلك من خلال عقد منفصل.
وفى ضوء ما تقدم فقد كانت التساؤلات التى فرضت نفسها، تتمثل فى الآتى: إذا كانت هذه المدارس سيتم بناؤها من خلال قرض يتم سداده من الموازنة العامة للدولة وستُحصل عليه فوائد عالية وربما مضاعفة، وإذا كانت الوزارة ستتسلم المدرسة بعد بنائها مباشرة وتقوم بتشغيلها وصيانتها ودفع مرتبات مدرسيها وغيرهم، وإذا كانت مصادر التمويل الحقيقية هى البنوك الوطنية، فما الفائدة التى ستعود على الموازنة العامة للدولة من وراء هذه الشراكة؟! وإذا كان ولا بد من بناء مدارس من خلال الاقتراض فلماذا تقوم الوزارة بالاقتراض من مستثمرين بفائدة تصل إلى 14 أو 15%؟ مبالغ هم أصلاً سيقترضونها من البنوك الوطنية بفائدة 7%؟ ولماذا لا تذهب الوزارة إلى البنوك مباشرة وتحصل على القروض بفائدة 7%، أو تبحث عن قرض حسن من إحدى المؤسسات الدولية؟!
وفى ضوء ما تقدم كان قرار الوزارة بوقف التعاون فى هذا المشروع على النحو المعروض، نظراً لأنه لا يصب فى صالح الدولة ولا المواطنين ولا حتى المستثمرين، ودراسته من منظور مختلف تماماً، ثم تقديمه بعد مراجعته من كل الجهات الفنية والمالية المعنية فى الدولة واعتماده من مجلس الوزراء الموقر فى شكل جديد يصب فى صالح الدولة والمستثمرين وأولياء الأمور والطلاب، وهو ما أطلقنا عليه فى حينه «المشروع القومى لبناء المدارس بالمشاركة مع القطاع الخاص بنظام حق الانتفاع»، الذى سيتم شرحه فى المقال القادم إن شاء الله.