وزير الثقافة التونسي السابق: نحارب الإرهاب بالفكر والإبداع ومصر ملهمة لنا
محمد زين العابدين: الثقافة يجب أن تكون محورا للسياسات العربية
«زين العابدين» خلال حواره مع «الوطن»
قال الدكتور محمد زين العابدين، وزير الشئون الثقافية التونسية السابق، إن هناك تعاوناً قائماً بين مصر وتونس فى مشروعات ثقافية وإبداعية، فضلاً عن صلات قوية بين مبدعى البلدين ونقادهما، موضحاً أن مصر ملهمة على كل المستويات فى مجالات الفكر والإبداع وأن تونس سلمت مصر رئاسة مؤتمر وزراء الثقافة العرب بين 2016 و2018، كما سلمتها مؤخراً شعلة عاصمة الثقافة الإسلامية الذى انطلقت فعالياته منذ أيام.
. وميزانيتنا زادت 5 أضعاف ووصلت إلى 150 مليون دينار
وتابع فى حواره لـ«الوطن» أن «لدى مصر وتونس تجربتين غنيتين لمواجهة التطرف الفكرى ووقف تمدده بالثقافة والفنون والإبداع والتراث وشهدت السنوات الأخيرة صحوة فكرية وأدبية وفنية لمواجهة مظاهر التطرف الناتجة عن قراءة غير حقيقية للإسلام، ولفت إلى أن وزارته نجحت خلال 3 سنوات فى زيادة عدد الفعاليات الثقافية من 27 ألفاً إلى 170 ألفاً بزيادة 6 أضعاف، وكانت الميزانية المخصصة للثقافة 26 مليون دينار تونسى تضاعفت 5 مرات وأصبحت تقريباً 150 مليون دينار، وكذلك الحال فيما يخص دعم الجمعيات الثقافية حيث كنا ندعم 400 جمعية واليوم ندعم 1404 بخلاف إقامة العديد من المواسم الثقافية ومنها موسم «ثقافة السجون»
محمد زين العابدين لـ"الوطن": أنشطتنا تضاعفت 6 مرات فى 3 سنوات فقط
نود أن نلقى الضوء على الوضع الثقافى فى تونس بعد 3 سنوات توليتم خلالها مسئولية وزارة الشئون الثقافية؟
- الوضع الثقافى فى تونس تغير فى اتجاه إصلاح المنظومة الثقافية، خاصة فى مستوى التشريعات وإنشاء مزيد من المؤسسات الثقافية بمستويات متعددة لكى نعطى إطاراً تشريعياً لعملنا، ثم نبرز النقلة الثقافية بهيكلة المؤسسات الثقافية، فعلى سبيل المثال أنشأنا 63 مؤسسة ثقافية متوسطة جديدة فى مجالات عدة مسرحية وفنية وموسيقية ومكتبية.
وعلى مستوى المؤسسات الكبرى أنشأنا مسرح «أوبرا تونس» بمسارحه واختصاصاته المتعدة، ومتحف الفنون المعاصرة، وهو متحف يتكون من 3 أروقة؛ عرض ومخزن متحفى يحفظ ما اقتنيناه من أعمال تشكيلية تونسية ودولية، ونحن بصدد رقمنة هذا الكنز الذى يصل إلى 13 ألف عمل تشكيلى اقتنته الدولة التونسية. وثالث المؤسسات كان المسرح الوطنى لفن العرائس، وأسسنا كذلك «مركز تونس الدولى للاقتصاد الثقافى الرقمى» الفريد من نوعه فى العالم العربى، وتم تخصيصه للشركات الناشئة ومبادرات الشباب الثقافية الرقمية والمختصين فى مجال الفنون التطبيقية المرقمنة. ومن الرقمنة للتراث أنشأنا مؤسسة القصر السعيد، وهو قصر قديم قمنا باستعادته ليكون مقراً لمعهد تونس للفلسفة والتاريخ والأنثروبولوجيا والمجلس الوطنى للثقافة والمجمعات المتحفية، بخلاف مركز تونس للحضارات، ومركز تونس للاستثمار الثقافى الموجه للشباب لدعم استثمار الشباب فى المجالات السينمائية والسمعية البصرية.
وماذا عن التعاون الثقافى بين مصر وتونس؟
- مصر ملهمة على كل المستويات، فهى بالنسبة لنا الخيال والفكر والإبداع والحضارة والجمال، وعلاقتنا بمصر وطيدة جداً فالبلدان مترابطان حضارياً ولهما تاريخ تعود جذوره إلى آلاف السنين وهناك تعاون وتضافر بين المشروعات الثقافية وبين المثقفين والمبدعين والنقاد فى البلدين، فهناك أخذ وعطاء وتعاون قائم وسلمنا لمصر رئاسة مؤتمر وزراء الثقافة العرب بين 2016 و2018، كما سلمنا للقاهرة مؤخراً شعلة عاصمة الثقافة الإسلامية الذى انطلقت فعالياته منذ أيام.
كما نتعاون مع الصديقة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة المصرية، فى الفعاليات والمهرجانات، مثل مهرجان قرطاج المسرحى والسينمائى، ومهرجان القاهرة السينمائى والتجريبى، وخلافهما بكل المحافظات، والمعارض الثقافية والسينمائية والمهنية فى البلدين، حتى التعاون فيما يخص التراث والحضارة والآثار، وكانت الأقصر عاصمة للثقافة بعد صفاقس التونسية وكان لنا شرف تنصيبها.
مواجهة الإرهاب قضية تؤرق البلدين.. هل هناك جهود مشتركة فى هذا الإطار؟
- لمصر وتونس تجربتان غنيتان فى مواجهة التطرف الفكرى ووقف تمدده بالثقافة، من خلال الاهتمام بالفنون والإبداع والتراث شهدت السنوات الأخيرة صحوة فكرية وأدبية وفنية لمواجهة مظاهر التطرف الناتجة عن قراءة غير حقيقية للإسلام بما لا يحتمل، فالإسلام رحمة وسلام وحب وبناء وتواصل، وهذا هو توجهنا كما هو الحال فى مصر، وأرى أنه كلما استقرت الثقافة والفنون والإبداع والخيال والجمال ستتراجع مظاهر الإرهاب وسيكون الغد أفضل.
ماذا عن مدى الاهتمام الرسمى فى تونس بالثقافة؟
- لا يمكن التعامل مع الثقافة باعتبارها أمراً هامشياً، وكان هدفنا خلال الفترة الماضية ملء الفراغات الناتجة عن سياسات معينة نتيجة ضعف التنشئة فى مجتمعاتنا وانعدام الوعى الثقافى، لذلك لا بد للثقافة أن تكون محوراً لسياستنا العربية ومحركاً حقيقياً لتنمية الإنسان وقدرته على التفاعل وهو ما يستوجب إدراكنا لأهمية الثقافة فى مجتمعاتنا وسياساتنا العامة، عندئذ سندرك أهمية الإصلاح الثقافى فى عقول بعض الشباب، وأقول لا بد أن تكون الثقافة مرجعية فى مستوى عمل السياسات العامة سواء على المستوى المحلى أو العربى بصفة عامة، حتى نتمكن من رسم سياسات وطنية فى مجال الثقافة تعكس عراقة الأدب والفنون والتاريخ العربى، وهو ما سيساهم بدوره فى إحداث تغير حقيقى فى المشهد المجتمعى والفكرى الذى نحن عليه اليوم.
تسلمت «القاهرة» نهاية 2019 من «تونس» شعلة عاصمة الثقافة وسبق ذلك اجتماعات لمناقشة الفعاليات.. حدثنا أكثر عن تعاونكم فى هذا المجال.
- تقوم الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة فى مصر، بمجهود كبير على مستوى الحوكمة والقرارات الثقافية، وهناك صناعة ثقافية قوية فى مصر ولا بد للثقافة أن تكون فى ريادة السياسات التنموية وهو ما نحاول تطبيقه فى تونس، وفى اعتقادى هو كذلك لمصر، لذا تضاعفت الأنشطة الثقافية بشكل ملحوظ ومنها كان استقبال مصر وتونس لعدد من الفعاليات مثل «عاصمة الثقافة الإسلامية» وهى فعالية تقام فى 3 قارات كل عام.
حالة حراك ملحوظ فيما يخص تسجيل المواقع التراثية على قوائم اليونيسكو.. حدثنا عن ما حققتموه فى هذا المجال.
- تونس لم تكن تسجل أياً من مواقعها التراثية أو تراثها غير المادى طيلة 20 عاماً وحين توليت الوزارة فى 2017 كان من اهتماماتى الأولى السعى لتسجيل تراثنا المادى وغير المادى على قوائم التراث العالمى والمعنية به المنظمة الدولية للثقافة والفنون «اليونيسكو» فلا يمكن أن تظل تونس خارج التاريخ وخارج هذا الزخم الدولى، وكان آخر ما قدمناه ملف جزيرة «جربة» على لائحة التراث العالمى والتى تعد نموذجاً رائعاً ومميّزاً لتعايش الديانات الثلاث، ما أفرز خصوصيات عمرانية واقتصادية واجتماعية فريدة، وهو ما جعل هذه الجزيرة تختزل الذاكرة الجماعية للتونسيين على الصعيد المحلى والجهوى والوطنى والمتوسطى أيضاً. وكذلك قدمنا ملف «قصور الجنوب» الصحراوية، وهى نموذج معمارى فريد. وللمرة الأولى يكون لدينا هذا القدر من التوافق العربى وهو ما كان سبيلاً لتسجيل ملف النخلة كتراث عربى مشترك، ومؤخراً قدمنا ملف الخط العربى وهو ما شاركت فيه مصر وتونس وعدد من الدول العربية.
وماذا عن جهودكم لاسترداد الآثار المهربة للخارج؟
- نبذل جهوداً حثيثة لمتابعة ما يعرض من الآثار التونسية عبر مواقع المزادات والمتاحف ونتواصل بشكل مستمر لاستعادة الآثار التى خرجت بطرق غير مشروعة عن طريق السرقة والتهريب ونسعى لاستعادتها دبلوماسياً وسياسياً وإذا استدعى الأمر ندفع الأموال لشراء آثارنا، فتونس غنية بالآثار وتمتلك 33 ألف موقع أثرى فى مواقع عدة.
تحدثت كثيراً عن النقلة التى شهدتها تونس كيف كان المشهد قبل ذلك؟
- كان هناك فعل ثقافى ولكن لم يكن منظماً بالطريقة المجدية وكان فعلاً ارتجالياً سواء على مستوى الرقمنة أو الأرشفة أو منهجية العمل، ولا يوجد أدل من ذلك سوى أننا خلال ثلاث سنوات دشّنا مسرح الأوبرا والمتاحف والمخازن وغيرها من المشروعات، فالفعل الثقافى مثله مثل باقى القطاعات التنموية لا بد أن يكون منظماً وواضحاً وجلياً فهو قطاع مهم، ونحن لم تكن لدينا مؤشرات ودراسات نستند عليها فى العمل الثقافى ومؤشراته، والأرقام تدلل على ذلك؛ ففى 2016 كان لدينا 27 ألف نشاط ثقافى ممول من الدولة، فى 2019 وصلنا إلى 170 ألف نشاط ثقافى، أى إننا ضاعفنا الأنشطة 6 مرات خلال ثلاث سنوات، وكانت الميزانية المخصصة للثقافة 26 مليون دينار تونسى تضاعفت 5 مرات وأصبحت تقريباً 150 مليون دينار، وكذلك الحال فيما يخص دعم الجمعيات الثقافية كانت الوزارة تدعم 400 جمعية ووصلنا الآن لما يقرب من 1404 جمعياتة مستفيدة من الدعم.
حريصون على ألا نقحم الثقافة فى الصراعات السياسية حتى لا تستغلها التيارات المحافظة أو المتطرفة
ماذا عن التظاهرات الثقافية الكبرى ودعم المبدعين؟
- فى 2016 كان عدد التظاهرات الثقافية الكبرى 6 فعاليات و17 مهرجاناً صيفياً دولياً هى مهرجان قرطاج ومهرجانا أيام قرطاج السينمائية والمسرحية وعرض تونس للكتاب ومهرجان الحمام، واليوم أصبح العدد 22 مهرجاناً محلياً و32 دولياً فى 3 سنوات، فضلاً عن تنظيم مهرجانات فى مجالات جديدة منها مهرجان الهندسة المعمارية والخزف وغيرها من معارض دولية للكتاب والموسيقى والتراث والمسرح والشعر، وحتى الإبداع فى دول المهجر والصحافة كان لها دور كبير فى هذا الزخم الثقافى، ونستطيع القول إننا أسسنا لمفهوم «الديمقراطية الثقافية» فلا فن يعلو على فن، فكل الفنون مهمة ولا بد للدولة أن تدعمها جميعاً، رغم أن الميزانية تمثل 1% من موازنة الدولة تقريباً لكن نجاحنا كان فى حسن إدارة ميزانية الشئون الثقافية، ورغم أن تونس دولة صغيرة تبلغ مساحتها 1000 كيلومتر مربع وعدد سكانها يبلغ 11 مليوناً فقط إلا أننا كوزارة تضم 800 هيئة ودار ثقافة ومسرح ومعاهد موسيقية بخلاف 100 مؤسسة ندعم أنشطتها البالغة 1000 فعالية سنوياً، أى إن لدينا فعالية لكل 1100 مواطن، وندعم كذلك آلاف المبدعين، وبابنا مفتوح للجميع، بل نرتحل لكل الولايات التونسية بحثاً عن المبدعين، وخلال 3 سنوات أجريت 300 جولة للاجتماع بالمبدعين والجمعيات والوصول لكل المستويات، ومن المهم أن تطرق الثقافة الأبواب وتكسر مركزيتها فى العاصمة، وهو ما أعتقد أننا حققناه فى تونس خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
هل يشعر المواطن التونسى بمردود هذه التحركات الثقافية فى المجتمع؟
- يجب أن تحقق الثقافة أهداف المواطنة والحرية الثقافية ويُتاح للمواطن التعبير عن فكره وموهبته أياً كانت ثقافته والتعلم الثقافى وبلورته فى صورة برامج وأهداف وكتب ولوحات وغيرها من أشكال الإبداع، ولكى نتمكن من بلوغ هذه الأهداف رسمنا برامج وطنية أساسها المدن، على أن تكون لكل ولاية من الولايات الـ22 أهدافها وميزانيتها الخاصة فى القطاعات الثلاثة الفنون والكتاب والتراث، ونمد المدن بالكتب وندعم النشر والندوات والمحاضرات فيها، ونقيم مهرجانات فنية وتشكيلية وسينمائية ونهتم بالمواقع الأثرية ونرممها ونرعاها، ونقيم فيها فعاليات فى كل ولاية، وحتى الفئات التى لا يتاح لها التعرض للثقافة اهتممنا بأن نصل إليها فى إطار خطة لا مركزية الثقافة ودشنا لها مواسم فنظمنا مواسم الثقافة العمالية والصحراوية والجذورية وموسم ثقافة «ما بين الحدود» ويضم معنا الجزائر وليبيا وحتى موسم الثقافة السجنية لمن هم خلف القضبان.
نقيم 170 ألف فعالية فنية سنوياً.. وأؤمن بـ"العدالة الثقافية" ونفذت فكرة موسم "ثقافة السجون" لأن السجين له حق فى الثقافة مثل حقه فى الحياة ونحاول أن نمنح المخطئ فسحة من الأمل
موسم ثقافة السجون أمر غريب على ثقافتنا العربية حدثنا بشكل أكثر تفصيلاً عن تلك التجربة.
- الفكرة أتت لى فى لحظة كنت أفكر فيها فى «العدالة الثقافية» ولدينا فى تونس 26 سجناً وإصلاحية، ووجدت أن السجين موجود خلف القضبان للعقاب، لكن له علينا حق ثقافى وحق فى الحياة، وربما يكون مبدعاً، لذا أقمنا نوادى داخل السجون ثم أقمنا مهرجانات كبرى كمهرجان قرطاج السينمائى داخل السجن، فالحق الثقافى لا يستثنى أحداً حتى لو كان مخطئاً، ونحن هنا نحاول أن نعطى المخطئ فسحة من الأمل والتعبير والخيال ونساهم فى تصحيح مفاهيمه وإدماجه فى المجتمع وأن يكون لديه متنفس ولدينا أدب السجناء وندعمه بالطبع وما بدأناه مؤخراً أن نجعل مواسم ثقافة السجون أنشطة أسبوعية وأن يخرج المساجين لدور الثقافة ليقدموا فنونهم تحت إشراف وزارة العدل.
دشّنا 100 ساحة للإبداع فى أماكن كانت ساحات للحرب والصراع وتحتضن اليوم الثقافة والفكر والفنون والإبداع
وكيف حققتم كل ذلك فى ظل صراعات مذهبية وسياسية وفكرية شهدتها دول عربية خلال الفترة الأخيرة ورغم محدودية الميزانية؟
- وضعنا نصب أعيننا من اللحظة الأولى ألا نقحم الثقافة فيما يدور من صراعات وسجالات سياسية فلا يمكن للثقافة أن تدفع بها التيارات المحافظة أو تستغلها التيارات المتطرفة أو تصبح سلاحاً للتيارات المتحررة، ولا بد للثقافة أن تكون فوق السجال الدائر على أرض السياسة، ونحن نقاوم التطرف والتشدد ونقاوم السياسات التى تقف فى وجه الإبداع، ولهذا حاولنا قدر المستطاع أن تلعب دورها بأفكار مبدعة وجديدة تؤسس لمدنية الدولة، أى إننا نقف فى وجه الاستقطاب ونحيّد الثقافة لكى نتيح للإنسان أن يكون إنساناً يسمو فوق الخلاف، فنحن نحارب التطرف بالثقافة والفكر والإبداع وهو ما انتصرنا فيه ودشّنا 100 ساحة للإبداع فى أماكن كانت من قبل ساحات للحرب والصراع وأصبحت ساحات للفنون والتعبير نسمح للشباب بالاستفادة من الفضاء العام، فإذا ما كنا نعطى للسجناء حق التعبير عن مواهبهم فمن باب أولى أن نعطى للأحرار حقهم والشباب بعيداً عن المحاذير الأمنية التى كانت مسيطرة فى فترة من الفترات.