تعد أحداث التطرف والعنف من الأحداث القديمة التى ارتبطت بوجود الإنسان؛ حيث شهدت البشرية على مدار تاريخها الطويل أحداثاً كثيرة تميزت بالتطرف والعنف، لكن هذه الأحداث بدأت تتحول إلى ظواهر فى معظم المجتمعات مع نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحالى.
والتطرف بصفة عامة يعد سلوكاً أحادياً لا يعترف بالآخر، ولا ينظر إليه كقيمة تستحق التقدير أو حتى الحياة. ويتمثل التطرف الفكرى فى المغالاة، والتعصب لتوجه معين، أو لمعتقد دون غيره، حتى ولو كان هذا التوجه أو ذلك المعتقد خاطئاً، ويرتبط التطرف بالسياق الاجتماعى والثقافى وما يعتريهما من تفاعلات، بل إنه يمثل نواتج مباشرة أو غير مباشرة لتلك التفاعلات.
والعنف يمثل لغة التخاطب الأخيرة بعد أن تترسخ لدى الشخص قناعة بعجزه عن إقناع الآخر بمطالبه عبر الحوار العادى، وقد يتحول التطرف إلى عنف، والعنف إلى إرهاب من خلال العدوان غير المبرر على الآخر؛ فالمتطرف الغاضب يرفض النقد ولا يعترف بمنطق العقل.
والإرهاب هو الاستخدام أو التهديد بالاستخدام غير القانونى المتعمد للقوة، وعلى ذلك فهو يعد نوعاً من العنف الموجه نحو خلق مناخ من الخوف والفزع والرعب لدى الأفراد، وترويع القيادات وتوجيه الحكومات، وعلى الرغم من أن هناك شبه إجماع على تعريف الإرهاب إلا أن المجتمع الدولى لم يتفق يوماً على تعريف محدد للإرهابى أو للمنظمات والجماعات الإرهابية؛ حيث إن الكل ينطلق من مبدأ واحد يتمثل فى أن المنظمة أو الشخص الذى تراه أنت على أنه إرهابى، قد أراه أنا على أنه يناضل من أجل الحرية وتحقيق العدالة الإنسانية.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: لماذا لم نستطع بعد كل هذه السنوات من التضحيات أن ندحر الإرهاب ونحقق عليه نصراً نهائياً؟ وهنا يجب أن نفرق بين نمطين من الإرهاب؛ الأول يتمثل فى إرهاب محلى محدود فى إمكاناته، كذلك الذى عانت منه مصر فى تسعينات القرن الماضى واستطاعت أنت تقهره إلى غير رجعة، أما النمط الآخر فيتمثل فى إرهاب مدعوم من أجهزة مخابرات دولية تقدم له دعماً هائلاً ومتطوراً يمكنه من الصمود بغرض تحقيق أهداف سياسية.
وفى ضوء ما تقدم نجد أنه على الرغم من امتلاكنا لكل عناصر القوة من جنود وقيادات لديهم جميعاً للوطن كامل الولاء والانتماء، إلا أننا أيضاً نعيش فى عصر تسوده ثورات فى التكنولوجيا، والاتصالات، والمعلومات، استفاد الجميع من مستحدثاتها، وباتت لديهم القدرة على التأثير والتأثير المضاد، ومن ثم صار من الصعب السيطرة على الأفكار، والقناعات، والتوجهات.
وفى مقابل التطرف والعنف والإرهاب يوجد على الجانب الآخر الأمن، الذى يعد من أعظم نعم الله. والأمن فى معناه العام عبارة عن شعور بالاطمئنان ينبعث من داخل الفرد، لكنه يختلف من شخص إلى آخر فى ضوء أسبابه وبواعثه، سواء كانت اجتماعية، أو سياسية، أو دينية، أو أيديولوجية، أو فكرية، أو عسكرية، أو اقتصادية، ومن ثم ظهرت صور متعددة من الأمن، منها: الأمن الاجتماعى، والأمن النفسى، والأمن السياسى، والأمن الإلكترونى، والأمن الفكرى.
الواقع أنه لا يوجد أى مجتمع لم يواجه هجمات فكرية بهدف غزو ميراثه الثقافى والفكرى. إلا أن مصر كانت من أكثر المجتمعات التى تعرضت لغزوات فكرية منذ فجر التاريخ نظراً لامتداد تاريخها وأهمية موقعها، ومن ثم تزداد أهمية الأمن الفكرى فى مصر وتكون القضية أكثر عمقاً وخطورة.
وفى ظل وضع حالى متداخل بين ماضٍ يضم مكونات ثقافية تمثل حجر الزاوية فى تماسك أى مجتمع، وحاضر يموج بثورات تقنية يسعى الكل للإلمام بتفاصيلها كى يكون له مكان بين الكبار، لم يعد دور المدرسة مقصوراً على تربية التلاميذ من أجل العيش فى مجتمع ذى خصائص ثقافية واحدة فقط، وإنما أصبح من أهم أدوارها إعداد التلميذ وتربيته بحيث يمتلك مهارات التفكير وحل المشكلات ويرتبط بمقومات وطنه فى ظل العولمة وتأثيراتها المختلفة.