كورونا وطقسه السيئ:
لم يترك البشر لشيطانهم معصية إلا وارتكبوها. سألت نفسى كثيراً قبل حلول الكارثة: ما كل فائض الشر هذا؟. ما كل هذه الحروب والمؤامرات والانهيارات؟. لماذا انقلب العالم على نفسه؟. أهى علامات الساعة، أم هو اختبار الفرصة الأخيرة؟. سألت نفسى: هل ضاق صدر الطبيعة بتمرد البشر على «عدلها»؟. هل ضاقت بخيانتهم لناموسها وعبث علمهم بأسرارها فتململت، وقررت أن تقتص منهم وتعاقبهم بريح جوفها وغبار غضبها؟.. أم أن غرورهم وجبروتهم أنساهم حدود الله، فسلط عليهم «خردلةً» من غروره وجبروته العظيمين لا تُرى بالعين المجردة؟، وكأن الله يقول لهم: أنا الذى سويتكم ونفخت فيكم من غرورى وجبروتى، فأرونى ماذا أنتم فاعلون؟.
فيروس تافه.. وسماء غاضبة:
الجزاء من جنس العمل: تلهثون وراء الموت بكل ما فيكم وحولكم من تسلط وغل وشهوة. تحاربون الله فى نعمة وجودكم. كدَّستم شروركم حتى لم يعد فى دفاتركم بياض لخيرٍ أو مودة، وقسَّمتم الأرض «مناطق نفوذ وحقول تجارب» لتقتلوا نفوساً بغير ذنب. تبتكرون لفناء بعضكم البعض أساليب وأدوات لم تخطر على بال شيطان، فماذا تنتظرون من «القرار الأعظم»؟. خلق الله الموت لتحبوا الحياة (وما الحياة إلا صورة الله على الأرض)، لكنكم استعذبتم الموت لأنكم تكرهون الحياة. اغتررتم بعلمكم وثرائكم وفضائلكم ونفوذكم، ولم تحفظوا للموت رهبة أو قيمة رادعة، فأتاكم أمر الله من حيث لا تدركون. نسيتم أنكم تحملون بذرة فنائكم، واعتقدتم أنكم ترتعون وحدكم فى كون بلا صاحب. نسيتم أن قيامتكم تحت أقدامكم، وأن الله أكثر عناداً وأشد مكراً وأعظم غروراً وجبروتاً. حشدتم واحتشدتم. قتلتم وتآمرتم. سرقتم وكذبتم، وكلما ظننتم أنكم كسبتم جولة.. أخذكم الله بأتفه منها.
أن يموت إنسان:
لو قلنا إن الحرب وسوسة شيطان، وثوابها نصر أو شهادة، فماذا نسمى ضحية الوباء؟. أهو شهيد أيضاً، أم كائن سيئ الحظ لأنه حُشِرَ فى صراعٍ بين الله والشيطان؟. قد يكون «شهيداً»، فالحرب الآن تنتقى ضحاياها بفضل طفرة مروعة فى تكنولوجيا القتل، لكن ضحية الوباء يدفع - على غير إرادته - ثمن ما يمكن أن يسمى «إعادة الانضباط» إلى حركة الكون.
كورونا يهاجم «العلم والقوة» فى عقرى دارهما، وعلى حين غفلة:
الفارق بين «الكولونيالية» و«الكورونيالية» ليس «اللام والراء» فقط. هو الفارق بين جبروت الجشع.. وجبروت المشيئة. بين إبداع النقص.. وإعجاز الكمال. بين «أقصى غرورك.. وأول عقابى». هل تختلف أوروبا فى «مسألة كورونا» عن مجاهل مستعمراتها القديمة؟. حتى تلك المجتمعات التى اخترعت أكذوبة «الديمقراطية» لم تمارسها كما مارسها هذا الفيروس التافه. لم يفرق «كورونا» بين دولة تملك العلم والقوة والأخلاق، وأخرى لا تملك ذرة واحدة من التراب الذى خُلِقَت منه وتمشى عليه. هل تصدق أن أوروبا - أيقونة الاستعمار فى الأرض - أُعلِنت «بؤرة» للفيروس؟. هل تصدق أن دولة مثل «إيطاليا»، بكل ما تملك من عمق حضارى وفلسفى، أصبحت سجناً لسكانها، وأن جزيرة تشبه نتوءاً فى محيط شاسع، لا تزال آمنة؟. هل تعرف لماذا؟. هل سألت الله؟. كيف تنام آمناً بعد اليوم؟
لم تعد الأيديولوجيا خصماً.. ولا حتى الاقتصاد:
العالم - بمائه ويابسته، ومن «صوماله» إلى ولاياته المتحدة - يرفع كل راياته البيضاء مستسلماً، خائفاً، مرعوباً، مهزوماً قبل أن يتحسس أياً من أسلحته الثقيلة.. أسلحته التى طالما تفاخر بمداها وبقوتها التدميرية. يسابق الزمن لينجو بأفعاله الدنيوية المخزية.. وهى كثيرة. يغلق الأبواب والنوافذ ومسام الجلد. يصلى و«لا يسلم». يختبئ وراء خوفه ونفاقه، لكن موته فى حضنه. أسكت موسيقاه وأطفأ صوره المتخيلة وجمع ما تيسر من الزاد والعتاد وتهيأ لحرب كونية (لا أعرف إن كانت ثالثة أم رابعة أم عاشرة، نووية محتملة أم بيولوجية مباغتة!) ضد توافه الطبيعة: بالأمس فراخ وخنازير وبراغيث وفئران.. واليوم كورونا. كلما سد البشر جبهة فتح الله عليهم غيرها. يقاومون، لكنهم لا يتعظون. كأن الأصل فى خلقهم: «كل ابن آدم خطّاء»، و«التائب» استثناؤهم. ما إن يديروا ظهورهم للمحنة حتى ينقلبوا على أنفسهم. الله غالب على أمره وغاضب على أمرهم. لذا.. كل خطوة إلى صواب تعيدهم خطوتين إلى معصية.
صراخ وذعر وأكاذيب حقيقية:
هناك من يتخيلها مؤامرة. وهناك من يدّعى أنها غفلة علم. وهناك من يريدها بيزنس. لكن الله يريدها حرب إفاقة.. فماذا عنا؟. نحن فى الحقيقة أضعف و«أطيب» من أن ندخل حرباً كونية كتلك، حتى إذا كان الخصم فيها ميكروباً تافهاً. نحن أجهل من أن نخترع «فيروس» أو لقاحاً لنحاربه. من فعل بنا ذلك؟ هذا سؤال فى غير أوانه.