"أنس" فر من جحيم حمص: بعد توقف راتبي الشهري.. "من وين راح أكفي العلاج وإيجار البيت؟"
«أنس» فى منزله
داخل إحدى الحوارى الضيقة بمساكن الشروق بمدينة نصر فى محافظة القاهرة، كان أنس الحلاق الذى بدأ قبل أيام قليلة عامه الخمسين، يقضى يوم ميلاده وحيداً بعد أن شردته الحرب واقتلعته هو وأسرته من مسقط رأسه بمدينة حمص بسوريا، لتلقى به بعد أن جردته من صحته وكل ما يملك داخل منزل قديم متهالك خال من الأثاث باستثناء قطع من الإسفنج المفتت وفوقه بعض الأقمشة السوداء البالية، استقرت بزاوية إحدى الغرف ليستخدمها «أنس» كسرير للنوم، بالإضافة إلى بعض أوانى الطبخ التى غطاها الصدأ وطبق معدنى صغير يستخدمه لغسل ملابسه.
المشهد داخل المنزل لا يوحى بأن هناك شخصاً يمكنه العيش فيه، الفوضى والأتربة التى غطت كل شىء كانت السمة الغالبة على المكان، فـ«أنس» الذى بالكاد يجد قوت يومه بعد أن قطعت عنه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين المساعدات الغذائية والمادية يعانى من أمراض عديدة تعيقه عن إيجاد عمل مناسب أو الاستمرار فيه، رغم حصوله على بكالوريوس معهد الصناعات الغذائية وإتقانه للغة الإنجليزية. تعود فصول القصة إلى أواخر صيف عام 2012 عندما استهدفت صواريخ النظام السورى مدينة حمص بكثافة، عندها هرع «أنس» إلى النجاة بنفسه وأسرته المكونة من زوجته وخمسة أبناء وغادر مدينته التى كان ينعم فيها بوضع مادى مترف، فداخل المدينة الحدودية كان «أنس» يمتلك منزلين يسكن أحدهما ويقوم بعرض الآخر للإيجار، كما يمتلك متجراً لصيانة أجهزة الكمبيوتر بالإضافة إلى مزرعة أبقار على أطراف المدينة تضعه فى مصاف الأثرياء. مشهد خروج أنس من بلدته، كما يروى، كان تحت قصف الطائرات وزخات طلقات المدافع، ليدرك حينها وهو يدير ظهره لمنزله وأملاكه أنه يودع تلك الحياة إلى الأبد، وأنه على أعتاب رحلة أخرى من حياة اللجوء، والانتظار بالشهور، وربما السنين، للحصول على الحد الأدنى من المساعدات للعيش.
فى لبنان حيث رحل أولاً، لم يكن الوضع جيداً، وتدهور الوضع الأمنى لـ«أنس» إلى الحد الذى تعرض فيه للاختطاف بشكل عشوائى لمدة ثلاثة أيام من قبَل عناصر حزب الله اللبنانى، تعرّض خلالها للتعذيب والضرب على الرأس: «جالى صداع مزمن وارتجاج فى المخ»، ليتم بعدها إخلاء سبيله بعد أن تبين براءته من أعمال الشغب التى كان قد اتُهم بها واختطف على خلفيتها، وبعد إخلاء سبيله قرر «أنس» المغادرة فوراً بمفرده نحو مصر ودخولها براً عن طريق عصابات التهريب من الجنوب عبر الحدود السودانية.
ثلاث سنوات مرت على «أنس» داخل حدود المحروسة، لم يملّ خلالها من طرق أبواب مفوضية اللاجئين للحصول على الكارت الأصفر الخاص باللجوء: «بمجرد اللاجئ ما بييجى مصر بيتواصل مع مفوضية اللاجئين على أرقامهم أو فى الغالب بيروح مقرهم، وبعد كده بيقدم أوراقه إنه لاجئ وبياخد ميعاد بعدها بثلاث أو أربع شهور عشان يعمل الكارت الأصفر»، وتُعد وثيقة الكارت الأصفر بمثابة الهوية للاجئ، وهى عبارة عن وثيقة تمنحها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين للأشخاص طالبى اللجوء، ويدون بها على الترتيب: رقم الملف واسم الشخص بالكامل وعدد أفراد أسرته وجنسيته ورقم الهوية أو جواز السفر وتاريخ ومحل ولادته، وتوقيت وصوله وتاريخ تسجيله فى المفوضية وتاريخ الإصدار والانتهاء وعنوان الإقامة.
حصلت على وثيقة اللجوء بعد انتظار 6 شهور.. وأخضع لعلاج نفسى من صدمة الحرب
بعدما يزيد على 6 أشهر من الانتظار، حصل «أنس» أخيراًَ على وثيقة اللجوء، ومن ثم استطاع الحصول على معونة مادية فقط قيمتها 600 جنيه شهرياً عام 2018 لمدة عام واحد، ليفاجأ فى نوفمبر الماضى برسالة نصية أُرسلت على هاتفه المحمول تخبره بأنه تم قطع المساعدات المادية نظراً لمراجعة ملفه وتبين عدم حاجته للمبلغ المذكور.
صدمة كبيرة انتابت الرجل الخمسينى بعد قرار المنع: «مأخدتش مساعدات غذائية وكان السبب إن ملفى غير مؤهل وكنت باخد 600 جنيه فقط رغم إنى مأجّر شقة بـ500 جنيه فى الشهر وبتعالج من الصداع المزمن وبتعالج نفسياً من آثار صدمة الحرب والاختطاف وباخد أدوية بأكثر من 300 جنيه شهرياً وكلها على حسابى بس قلت أدبر حالى، لكن كمان قرار منع المبلغ المادى كان صادم جداً، هلأ من وين راح أكفى إيجار البيت؟!».