جورج سيدهم، «28 مايو 1938»، لم يكن مجرد فنان صاحب تجربة ثرية، ولا مجرد كوميديان متفرد قدم العديد من الأدوار الكوميدية المتميزة والدرامية أيضاً، إضافة إلى «الاسكتش»، والقدرة على الرقص، والغناء، بل هو صاحب تجربة إنسانية شديدة الثراء ومليئة بالمفارقات الميلودرامية، ودائماً ما كان الموت أقرب إليه، لدرجة أننى كثيراً ما تخيلته يدخل فى «مونولوجات» كوميدية معه.
«جورج» الذى توفى فى يوم المسرح العالمى، كانت حياته تحاكى أبطال الملاحم اليونانية القديمة، فهو ذلك الطفل الذى خرج من رحم الموت، حيث خرج من رحم والدته صامتاً مغمض العينين، وظنت القابلة أنه وُلد ميتاً ومنذ تلك اللحظة لم يتركه الموت أبداً، بل ظل يرافقه مثل ظله، وبعد نجاحه الكبير مع صديقيه الضيف أحمد، وسمير غانم، من خلال فرقتهم «ثلاثى أضواء المسرح» التى قدموا من خلالها الكثير من الأعمال السينمائية والمسرحية الممتعة والمهمة، فجأة اختطف الموت «الضيف»، والذى كان أقرب لجورج، وبعدها بفترة عمل هو وسمير غانم وقدما معاً العديد من الأعمال على مسرح «الهوسابير»، ومنها مسرحية «المتزوجون»، إلى أن فاجأه «غانم» بطلب الانفصال عنه فنياً ومادياً.
«جورج» الذى ملأ المسرح صخباً وكوميديا وإفيهات ولزمات، عانى من الغدر والخيانة من أقرب إنسان إلى قلبه، وبسبب خيانة شقيقه دخل فى رحلة أخرى مع الموت، وأيضاً كان من أشد المعارضين لمنظومة الزواج، ولكن بعد محنته الكبيرة تأكد أنها كانت أكبر منقذ له.
قضى جورج سيدهم، والذى رحل عن عالمنا عن عمر يناهز الـ82، فصول حياته بين تلك الثنائيات المتناقضة الموت والحياة، أقرب الناس هم الأكثر أذى وإيلاماً لروحه، ظل عمره كله يعمل من أجل مسرح «الهوسابير» ليملكه ويقدم عليه الكثير من أعماله المهمة ومسرحياته التى لا تزال تعيش فى وجداننا، إلى أن شاهده يحترق أمام عينيه وتلتهم النيران الكثير من ذكرياته وأحلامه، ولكنه لم ييأس وأعاد ترميمه وتجديده، إلى أن فوجئ بأن شقيقه الأصغر والذى كان يعامله مثل ابنه قام برهن المسرح من ورائه، ولم يكتف بذلك، بل قام بأخذ كل أمواله وهرب خارج مصر، الخوف من الزواج، ثم الشعور بالأمان الحقيقى مع «ليندا»، رفيقة الدرب، التى صارت الزوجة، والصديقة، والشقيقة بل العائلة بأكملها، كثيرون من عشاقه ومحبيه وتلاميذه وأصدقائه يرغبون فى وداعه، ولكنهم لن يستطيعوا، فالعالم كله يعيش فى لحظة شديدة الدرامية وفى حالة ترقب، ولا أحد يعرف شيئاً عن القادم.
«جورج» الذى منح الملايين الضحكة والابتسامة، والكثير من الإفيهات واللزمات لم تكن حياته سوى سلسلة من المعاناة، ورغم ذلك منحنا البهجة من خلال الأعمال المميزة التى قدمها على المسرح فى «حواديت» و«طبيخ الملايكة»، وشكّل مع سمير غانم ثنائياً متفرداً وقدما مشاهد تحولت إلى أهم لقطات الضحك فى المسرح المصرى فى «جوليو وروميت» و«موسيقى فى الحى الشرقى»، و«المتزوجون» و«أهلاً يا دكتور»، وكان «جورج» يفرش الإفيهات لزميله بلا عقد أو أنانية، رغم تماثل أدوارهما من حيث المساحة.
وفى السينما، هناك الكثير من الأدوار التى قدمها وتستحق التوقف عندها مثل مشهده فى فيلم «معبودة الجماهير» وهو يؤدى مشهداً للحب أمام «شادية»، ودور عبدالعظيم الفتك الذى ذهب ليخطب سيدة من زوجها «صلاح نظمى» فى فيلم «البحث عن فضيحة»، مشاهده القليلة والمميزة فى فيلم «الزواج على الطريقة الحديثة»، دوره فى «أونكل زيزو حبيبى»، المعلق الكروى الذى ينتقل من حكاية إلى أخرى دون توقف. ودور النصاب بفيلم «غريب فى بيتى»، والمدرس الذى يعيش على الدروس الخصوصية فى «الشقة من حق الزوجة» لعمر عبدالعزيز، كلها أدوار محفورة فى وجداننا وذاكرتنا، عاملته الحياة بكل قسوة ولكنه لم يمنحنا سوى النبل والبهجة.