الخدمات المبتكرة "طوق نجاة" القطاع المصرفي العالمي من تداعيات "كورونا"
البنوك تعتمد على تطبيقات الهاتف المحمول في سداد المدفوعات
البنوك
فى ظل استمرار فيروس كورونا المستجد فى حصد الأرواح حول العالم، أصبح لزاماً على كل القطاعات الاقتصادية أن تتعامل بشكل احترافى لتأمين مصالحها ضد الوباء الذى أثّر سلبياً على معظم القطاعات خلال فترة وجيزة، ويُعد عنصر الابتكار والتفكير خارج الصندوق هو الآلية الأفضل للقطاعات المختلفة للنجاة من أضرار الأزمة، أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر الممكنة، وضمان طلب مناسب على منتجاتها وخدماتها.
الأزمات تُثبت: "التكنولوجيا المبتكرة" الأكثر طلباً فى المستقبل
ولأن القطاع المصرفى فى البلدان أحد أهم القطاعات الاقتصادية التى تلعب دوراً كبيراً فى مواجهة تداعيات الفيروس، نظراً لتعامل شرائح كبيرة من المواطنين مع القطاع المصرفى، وفى ظل تخوّف البنوك من أن يؤدى الزحام فى الفروع والمواصلات إلى إصابة موظفيها بالفيروس وتعطل عملياتها المصرفية، بدأت البنوك فى اتخاذ الكثير من التدابير الاحترازية، لضمان سلامة موظفيها وعملائها من الإصابة بالفيروس، مع الحد أيضاً من انتشاره، والتركيز بشكل واضح على استخدام الأدوات والابتكارات التكنولوجية، للتخفيف من حدة الأزمة، وانهيار الطلب على منتجاتها.
لذا سنجد أن التكنولوجيا لاعب رئيسى لدى القطاع المصرفى فى مواجهة هذه الأزمة، حيث إن الابتكارات التكنولوجية التى تستخدمها البنوك، مكّنت العملاء من الحصول على جميع الخدمات المالية دون الحاجة إلى الاتصال المباشر بين العميل ومقدّم الخدمة فى البنوك، مما يُحد من انتشار الفيروس، الذى يعتمد فى انتقاله من شخص إلى آخر على الاتصال المباشر بين الأفراد.
ويتّضح أن الاستثمارات المليونية التى ضختها البنوك على مستوى العالم فى استقطاب التكنولوجيا خلال الفترة الماضية، بدأت تؤتى ثمارها، حيث أظهرت الأزمة أن البنوك التى تمتلك تكنولوجيا أفضل هى الأكثر قدرة على مواجهة الأزمة الحالية والتقليل من مخاطرها، وهو ما يبرز قيمة التكنولوجيا، باعتبارها «استثمار فى المستقبل»، خاصة أن أوقات الأزمات وتغير الثقافات والتطور التكنولوجى كلها عوامل أظهرت أن الابتكار هو الأكثر طلباً فى هذه الآونة.
"تى دى بنك" يُخصّص الساعة الأولى بفروعه لخدمة كبار السن و"استطلاع": 82% من عملاء البنوك لديهم قلق من الذهاب للفروع
وبالنظر إلى مدى القدرة التكنولوجية الحالية للبنوك على مواجهة فيروس كورونا، نجد أن نظام المدفوعات التقليدى للبنوك لم يكن جاهزاً بشكل كافٍ للعصر الرقمى، وهو أقل استعداداً لوباء مثل فيروس كورونا المستجد، كما أنه لا توجد تقريباً أى آلية دفع تقليدية لا تؤدى إلى خطر الإصابة بـ«COVID-19»، خاصة أن البطاقات الائتمانية قد تلتصق بها مواد فيروسية، إلا أن هناك خيارات رقمية، مثل الأجهزة المحمولة، التى أتاحت جميع طرق الدفع دون تلامس.. فهل سيكون العالم جاهزاً أخيراً لتبنّى محافظ رقمية قد تعتمد عليها حياتهم؟
اكتشفت مجموعة «Futurist Group»، التى تدرس بانتظام تفضيلات المستهلكين حول استخدام طرق الدفع المختلفة من خلال بحث أجرته أوائل مارس 2020 أن 38% من الأشخاص الذين يفضّلون استخدام البطاقات التلامسية تغيّرت آراؤهم للتوجُّه نحو استخدام الدفع عن طريق الهاتف المحمول، وذلك مقارنة بجولة البحث السابقة للشركة، التى سبقت انتشار «كوفيد- 19» بشهور قليلة.
وقالت الشركة: «فى حين أن هذه بيانات مبكرة، وهناك حاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم التأثير الحقيقى والدائم على سلوك المستهلك، فإن هذا يشير إلى أن نقطة التحول للاستخدام دون تلامس قد تصل بشكل أسرع مما كان متوقعاً».
ومع تزايد إغلاق الكثير من البنوك لفروعها، وفى ظل امتلاك البنوك للكثير من الخدمات المصرفية الرقمية التى يمكن أن تتيحها لعملائها دون مغادرة منازلهم على عكس الكثير من الصناعات الأخرى، تزايدت الحاجة إلى الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهاتف المحمول بشكل كبير منذ انتشار الوباء، مما قلل الدور التقليدى للفروع، حيث تشير الدلائل المبكرة إلى أن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يعجّل التوجّه نحو الخدمات المصرفية الرقمية بشكل كامل.
وأجرت مؤسسة Lightico مسحاً على 1000 عميل من عملاء القطاع المصرفى فى منتصف مارس الماضى حول عقلية المستهلك وسط انتشار فيروس كورونا، الذى أظهر أن 82% من العملاء يشعرون بالقلق إزاء الذهاب إلى فروع البنوك، وأن 73% يرغبون فى إجراء المعاملات البنكية عن بُعد دون الذهاب إلى البنك، فيما قال 63% من المشتركين إنهم أكثر ميلاً لتجربة التطبيق الرقمى، بينما أبدى 56% قلقهم حيال عدم قدرتهم على سداد القروض.
وأتاح الكثير من البنوك العالمية خدمات فتح الحسابات الفورية للمتعاملين الجدد باستخدام الهواتف الذكية، بحيث يمكن للمتعاملين الجدد مسح الهوية وتعبئة البيانات الشخصية، والتقاط صورة «سيلفى» لفتح الحساب على الفور، والحصول على باقة خدمات تضم بطاقة الخصم المباشر ودفتر الشيكات دون الحاجة إلى زيارة فرع البنك، أو تعبئة النماذج الورقية، وهو ما يقلّل انتشار الوباء.
فيما أطلقت بنوك أخرى، تكنولوجيا الدفع الصوتى عبر المحفظة الإلكترونية، حيث تُعد هذه التكنولوجيا أحد أفضل الحلول السمعية المتكاملة فى العالم، والتى تمكن العميل من الدفع باستخدام الهاتف من خلال الاستماع إلى الصوت والضغط على خيار الدفع.
وعلى المستوى المحلى، نجد أن البنوك المصرية لم تستثمر بشكل كبير فى التكنولوجيا، مقارنة بالبنوك الأوروبية والأمريكية والآسيوية، حيث إن البنك الأهلى فقط فى مصر من بين 38 بنكاً هو الذى يمتلك فروعاً إلكترونية، والتى تظهر فائدتها بشكل كبير فى مثل هذه الأزمات، خاصة أنها تقدم جميع الخدمات المصرفية بشكل إلكترونى دون الحاجة إلى وجود موظف، وهو ما يدعو إلى ضرورة تركيز البنوك بشكل كبير على الاستثمار فى التكنولوجيا المبتكرة، فضلاً عن مواجهة الكثير من العملاء صعوبة فى تفعيل خدمات الهاتف المحمول، وهو ما يتطلب جهداً أكبر من البنوك للتيسير على العملاء فى استخدام هذه الخدمات.
ونظراً لأن فيروس كورونا ينتقل من خلال الاتصال والاحتكاك المباشر بين الأفراد، بدأت بعض البنوك المصرية فى توجيه سيارات الصراف الآلى المتنقلة ببعض الأماكن التى يزداد فيها تردّد العملاء على الفروع لتلبية احتياجاتهم، وهو ما يمكن تطبيقه بشكل أوسع من قِبل البنوك خلال الفترة الحالية للحد من تداعيات الفيروس التاجى، كما أنه يمكن تخصيص الساعات الأولى من العمل بالفروع لخدمة العملاء الأكبر سناً والأكثر عرضة للخطر لـCOVID-19، كما فعل «تى دى بنك» الأمريكى.