أتذكر جيداً فيلم «طاقية الإخفاء»، وتحديداً المشهد الذى يمسك فيه الفنان توفيق الدقن بالفنان عبدالمنعم إبراهيم، وفى يده الأخرى علبة بها خاتم، ويسأله: «العلبة ديه فيها إيه؟»، فيجيب: «فيها خاتم»، فيصفعه توفيق الدقن على وجهه بقوة وهو يقول له: «العلبة ديه فيها فيل»، ويعاود السؤال مرة أخرى: «العلبة ديه فيها إيه؟»، فيقول على مضض: «فيها فيل»، ويظل يردد العلبة فيها فيل.. فيها فيل.. فيها فيل، وينتهى المشهد بضحكات توفيق الدقن التى تتعالى، وينتهى المشهد.
هكذا أرانى وأراكم فى كل مشاهد الحياة اليومية، نرى الخاتم فيلاً دون أن يصفعنا أحد، نفترش المقاهى لنشاهد باسم يوسف رغم أننا لم نعد نفهم ماذا يُريد؟! لدرجة تجعلنا أحياناً نسترجع بعض حلقاته القديمة على «اليوتيوب» بنفس طريقته فى كشف التناقضات فنكتشف أنه أكثر تناقضاً ممن ينتقدهم.
نُهلل للراقصة سما المصرى رغم ما تُصدره لنا من إسفاف، والمؤسف أن تتحول أخبارها لانفرادات صحفية، كما تصفها بعض الصحف، أو أن يتبع اسمها بجملة فى تصريح خاص للجريدة الفلانية، وكذلك الراقصة صافيناز التى استضافتها إحدى القنوات، ويؤسفنى أنها قناة مهمة، ويسبق اللقاء تنويهات تُشير لأهميته، وقتها تمنيت لو التقيت أحد مسئولى تلك القناة لأسأله ماذا ستفعل إذن عندما تستضيف سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة؟! فليس لديك أكثر مما قدمته لصافيناز، فقد استنفدت كل أدواتك.
ننتقد قرار رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، بمنع فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبى، رغم أننا نعلم أن العلبة فيها «فيلم» يمس عاداتنا وتقاليدنا أو ما تبقى منهما، والمدهش فى هذا الفيلم أن يصدر قرار إعادة عرض الفيلم على الرقابة من قبل رئيس الوزراء وليس وزير الثقافة أو مدير الرقابة الذى استقال على أمل أن ينضم إلى قائمة الأبطال من مدعى الليبرالية، فالليبرالية يا عزيزى أنت ومن يهللون لها فى الصحف والقنوات الفضائية لم تكن يوماً ضد الأخلاق.
والأكثر فجاجة أيضاًً أن من يهللون لحقوق الطفل، وعارضوا وهاجموا المستشار أحمد حمدى، الذى أصدر حكماً بالسجن 15 عاماً على قاتلى الطفلة زينة، عندما قال إن المحكمة كان بودها أن تقضى بأقصى عقوبة مقررة حتى للبالغين وهى الإعدام، مُعللين ذلك بأنه تعدٍ على حقوق الطفل وتهكم على القانون، فهؤلاء لم نسمع لهم صوتاً، فى فيلم للكبار فقط وأحد أبطاله طفل عمره 13 سنة، هذا الطفل الذى يتحدث فى أحد لقاءاته التليفزيونية، مؤكداً نصاً أنه لم يمارس الجنس مع هيفاء وهبى، وأن هذا المشهد كان حلماً ولم يكن حقيقياً، وأنه فقط كان يتلصص ليشاهد هيفاء وهى تستبدل ملابسها، أين حقوق الطفل يا «بتوع الحقوق»؟
أما فضيحة الكاراتيه، كما يسمونها، فهذه كانت الفيل الكبير وكأننا أصبحنا نبحث عن فضيحة، حتى نُهلل لها، فرغم هول وفجاجة تلك القضية فإن لدينا ما هو أهم من كل هؤلاء، لدينا ما يستحق أن نُشاهده على شاشات الفضائيات، ونقرأه على صفحات الصحف، لدينا دولة تبحث عن رئيس، لدينا شعب يشارف على الانهيار، شعب لم تعد أقدامه تقوى على حمل همومه ومعاناته ومآسيه، شعب لم تعد حياته أغلى ما يملك، شعب أصبح يقينه أن الأحياء هم من يعيشون تحت الأرض وليس فوقها، شعب لم يعد لديه مكان فى جسده لطعنات جديدة، شعب لم يعد يعرف من معه ومن عليه، من الصادق ومن الكاذب، من يضحى من أجله ومن يسير فوق أشلائه المتناثرة، شعب لم يعد يهاب الموت أو يهرب منه، بل يبحث عنه، شعب يبحث عن الخلاص.
كلمة أخيرة لمن يعتلون منابر الفضائيات والصحف:
لقد نجحتم فى إقناع جماهيركم العريضة بأن العلبة فيها فيل.