بطولة طبيب نساء.. عرض حياته للخطر من أجل إنقاذ حامل مصابة بكورونا
حكاية أحدث مواليد كورونا: اسمه يامن ودلعه "إبراهيم وداليا ومصطفى"
المولود يامن عقب الولادة
رقم مميز يطل عبر هاتفه، الرد حتمي، إنه رئيس القسم بالمستشفى العام الذي يعمل به، صحيح أنه منتدب للعمل في مستشفى آخر، لتحول مستشفى كفر الزيات العام إلى حجر صحي، لكن الرد على رئيس القسم فرض عين، اعتاده الطبيب الشاب، د.إبراهيم الدسوقي أخصائي النساء والتوليد بمستشفى كفر الزيات العام.
في زمن كورونا، يعتقد البعض أن طبيب النساء والتوليد بمعزل عن الخطر، اعتقاد خاطئ، هزمته حقيقة إصابة عدد من الحوامل بالفيروس المستجد كوفيد 19، أهمية طبيب النساء والتوليد في التعامل مع مصابات كورونا من الحوامل تظهر في تلك التي قاربت علي الولادة، أو الحالات الخطرة، لم يقابل الدسوقي أيا من هذه الحالات، وكانت كل معلوماته عن كورونا كفيروس مجرد المعلومات الطبية المتاحة له ولغيره من الأطباء، كل هذا قبل أن يتلقى اتصال رئيس قسمه.
مصاب بأزمة تنفسية ولم يرفض دخول مستشفى العزل لتوليد مصابة بكورونا
الاتصال كان بحثا عن أطباء القسم، توجد حالة لحامل مصابة بكورونا في حالة وضع وتحتاج لطبيب يجري لها جراحة الوضع، لم يكن أيا من الأطباء متاحا، حاول إبراهيم مساعدة رئيس القسم في البحث عن طبيب، قبل أن يعاود رئيس القسم الاتصال به، هي جملة سمعها إبراهيم فما كان منه إلا التلبية "مفيش حد رد عليا يا ابراهيم.. مفيش غيرك"، هنا رد إبراهيم بكل طواعية "تمام يا دكتور دقايق وأكون عندك في المستشفي.. بس أنا خارج البيت ومش مجهز حاجتي"، ليطمئنه رئيس القسم وقد تحولت نبرته من الخوف والقلق إلى الإرتياح "تعالي بس وهنتصرف في الباقي".
لم يستغرق إبراهيم وقتا كي يصل إلى مستشفي كفر الزيات، لكن الدقائق مرت عليه كالساعات، أخذه التفكير في أسئلة كثيرة، لماذا اختاره القدر تحديدا لهذه المهمة، هل هي علامة على سوء قد ينتابه، ماذا لو التقط عدوى من المريضة، إنها المرة الأولي له في التعامل مع كورونا ماذا لو تعرضت المريضة لمكروه، هل سيتحمل البقاء في العزل 14 يوما بعيدا عن زوجته وطفليه، ماذا يقول لزوجته، ما الذي يضمن خروجه سالما وهو المصاب بأزمة تنفسية حادة تجبره على استخدام بخاح للتنفس، ومن ثم تقلل من مناعته وتجعله فريسة سهلة للعدوى؟
الدسوقي: أول ما شفت بدل الوقاية.. خفت
انتهى الطريق ولم تنته الأسئلة، ولم يصل إلى إجابات، دخل المستشفى وترك لعينيه حرية الإطمئنان أو الفزع، سبقته عينيه إلى الفزع، حين استقبلته فرق مكافحة العدوي بالمستشفي، يضحك الدسوقي وهو يتذكرهم "خوفت منهم أول ما شفتهم لابسين بدل الوقاية.. وطبعا معرفتهمش من بعض"
لم تكن هيئة أطباء مكافحة العدوى فقط هي المفزعة للدسوقي، الأمر برمته بتفاصيله مرعبا، يرويه الدسوقي "انا انسان أولا، بخاف وبحس وبشعر، وكلنا نقابل مجهول، في مقارنة حياة المريض بالطبيب، المريض له أولوية، ولأني مسؤول عن المريض فسلامته أولا، لكني أيضا أفكر في سلامتي، في أطفالي وزوجتي، في أحبائي الذين سيصيبهم الرعب من مجرد خبر انتقالي للعمل من داخل مستشفى العزل"
6 قفازات و3 بدل وقائية وكمامتين ونظارة..أدوات الدسوقي في قيصرية لمصابة كورونا
أفكار سلبية كثيرة دارت في رأسه، أنهاها بالبسملة وقراءة ما تيسر له من آيات القرآن، ابتسامة وزفير أخرج بهما كل القلق الدائر في ذهنه، تفرغ بعدها لحالة المريضة ياسمين، لم تكن الأسوأ حسب روايات التمريض، مجرد كحة ونتيجة إيجابية لكورونا، لكن الإحتياطات واحدة في التعامل مع مصابي كورونا، تسلمت فرق مكافحة العدى الدسوقي، تحضيرات خاصة للطبيب قبل الجراحة، 6 قفازات و3 أطقم ملابس وقائية، وكمامتين ونظارة، وتحديد خط سير حتى غرفة العمليات لأن كل خطوة محسوبة بالإضافة إلى تحضير أدوات العملية"، حسب الدسوقي.
ما يقرب من 45 دقيقة قضاها الطبيب الثلاثيني خلال غرفة الجراحة، استنفذ محاولات الوضع طبيعيا، ولم يبق له سوي الجراحة القيصرية،يروي الدسوقي "الحرص بيكون في التعامل مع الأسطح لأنه من المحتمل أن يكون الفيروس في أي مكان ويزيد من حالة المريضة سواء"، كذلك حركة الطبيب كانت في غاية الصعوبة وسط الكم الهائل من الأدوات الوقائية.
الرعب الذي رآه الدسوقي في وجه الحال المصابة قرر أن ينهيه بدعابة قبل التخدير، يضحك وهو يتذكر حواره مع المريضة: "قلت لها عايزة تسمي ايه، قالت لي يامن، قلت لها عيب المفروض تسميه إبراهيم علي اسمي، قالت لي هبقي أدلعه واقوله يا إبراهيم ويا مصطفي ويا داليا، كل يوم هدلعه باسم واحد من الفريق الطبي اللي عملي العملية بس أقوم بالسلامة"..هنا عقد معها الدسوقي اتفاقه، لتنتهي الجراحة بوصول يامن وإحتفالات المستشفى بالكامل به.
نصيحة الدسوقي للمصريين: خليك في البيت مع ولادك أفضل من الحجر الصحي مع الفيروس
من الأربعاء إلي الجمعة، 3 ايام مرت منذ إنتقال الدسوقي إلي العزل، يتواصل مع أسرته هاتفيا، ويواظب على إجراءات العزل والإحتياطات التي أقرتها فرق مكافحة العدوى، يشهد لها الدسوقي بالمقدرة الفائقة "بصراحة مكنتش مصدق أننا في مصر من فرط الاحترافية والجاهزية اللي ابدتها فرق مكافحة العدوى، لدرجة أنهم محددين خط سير الفريق الطبي ومسارهم وعدد خطواتهم بين الغرف وبين غرفة العمليات وخاصة في حالته وكونه مصاب بأزمة تنفس مزمنة".. إطمأن قبل ساعات على صحة المولود يامن وسلبية عينته لكورونا، ويود أن يطمئن على كل المصابين بكورونا، يقول لـ"الوطن": أي مصري متضايق من رسالة خليك في البيت اقوله نصيحة..تبقي في بيتك وسط ولادك أحسن ما تبقي في حجر صحي وسط الفيروس.