صورة لا يكتمل شهر رمضان المبارك بدونها، إذ كان الأطفال يحملون الفوانيس حوله، ويغنون على أنغام الطبلة الكثير من الأغنيات المرتبطة بشهر الصوم، إنه المسحّراتي الذي يأخذ على عاتقه إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر لتناول وجبة السحور.
"اصحي يا نايم وحد الدايم".. كلمات يلحنها المسحراتي محمد إبراهيم عبدالقادر بواسطة ضربات فنّية يوجّهها إلى طبلته قبل الإمساك بساعتين خلال جولته الليلية في شوارع إحدى القرى الريفية بمحافظة المنوفية، موقظًا أهاليها لتناول طعام السحور.
المسحّراتي في مصر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتقاليدنا الشعبية الرمضانية، وهو أول من أيقظ الناس على الطّبلة، إذ يطوف في شوارع المدينة أو القرية يردد الأناشيد الدينية، وينادِ الناس ليستيقظوا طالبًا منهم أن يوحدوا الله، ويضرب على طار ضربات متوالية حتى يسمعه النائمون فيهبوا من نومهم لتناول السحور.
وتعود فكرة المسحراتية إلى عهد الرسول، حيث كان بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وعبدالله ابن أم مكتوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور، الأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام.
وكان الوالي عتبة ابن إسحاق أول من نادى بالتسحير في مصر سنة 238 هجرية، عندما لاحظ أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع لها وكان يطوف شوارع القاهرة ليلًا على قدميه، سيرًا من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط لإيقاظ أهلها، وفي عهد الدولة الفاطمية كانت الجنود تتولى الأمر، وبعدها عينوا رجلًا أصبح يعرف بالمسحراتي، كان يدق الأبواب بعصا يحملها.
مهنة المسحراتي أبرز المهن الرمضانية وأكثرها شعبية، لكن مع تقدم الزمن وتطور المجتمع والتكنولوجيا، اختفت من معظم الحارات والأحياء باستثاء بعض المناطق الشعبية والقرى الريفية التى مازال أهاليها يستيقظون للسحور على طبلة المسحّراتي، وصوته الذي يصدع بـ«اصحى يا نايم» مما يضفي سحرًا خاصًا على المكان.
عقارب الساعة تدق الثانية عشر بعد منتصف الليل، لتعلن بدء جولة "عبدالقادر" بين شوارع البلدة الريفية في المنوفية بطبلته الصغيرة التي يحملها في رقبته، وتتدلى إلى صدره أو يحملها بيده ويضرب عليها بعصا خاصة، وهو ينادي صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ لتناول طعام السحور.
مهمة المسحراتي في البلدة الصغيرة البالغ تعداد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة، حملها عبدالقادر على عاتقه خلفًا لوالده الحاج إبراهيم بعد وفاته، إذ يقول لـ«الوطن»، إنه كان يلازمه وهو صغيراً أثناء جولاته لإيقاظ أهل البلدة في ليالي شهر الصوم لتناول السحور، وعادة ما كان يكون النداء مصحوبًا ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.
ويتمسك "عبدالقادر" بمهمة إيقاظ أهل بلدته للسحور، باعتبارها إحدى الطقوس الرمضانية التى اعتاد عليها منذ صغره، بالرغم من أنها فقدت مذاقها في ظل التطور وانتشار الفضائيات والإنترنت، حيث أصبح أغلب الناس ساهرون حتى ساعات الصباح الأولى في شهر رمضان.
"من شابه أباه فما ظلم"، مثل قديم ينطبق على "عبدالقادر" الذي يسير على خطى والده الحاج "إبراهيم"، إذ يؤكد أنه لا يأخذ أجر من أهل بلدته مقابل إيقاظهم للسحور، وينتظر حتى أول أيام العيد الفطر فيمر بالمنازل ومعه طبلته المعهودة، فيوالي الضّرب عليها نهار العيد لعهده بالأمس في ليالي رمضان، فيهب له النّاس بالمال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.
تعليقات الفيسبوك