"سايق عليكي النبي يا ست" جملة تعتاد سماعها من البسطاء والمكلومين والفارين من بطش الحياة، عندما تقف أمام مقام السيدة نفيسة بداخل مسجدها، فهو المسجد الذي وصفه كثير من الشيوخ والعلماء أنه يتمتع بحالة روحانية نادرة تبعث على الهدوء والسكينة في نفس كل زائر ولذلك فهو يحظى بمكانة خاصة وعالية في وجدان المصريين الذين يكثرون من زيارته.
وُلدت نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب، في مكة في 11 ربيع لأول 145هـ، انتقل بها أبوها إلى المدينة المنورة وهي في الخامسة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى لقبها الناس بلقب "نفيسة العلم" قبل أن تصل لسن الزواج، حسب بوابة قصة الإسلام التي يشرف عليها الدكتور راغب السرجاني.
تزوجت بإسحاق المؤتمن بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثم رحلت نفيسة مع أسرتها إلى مصر، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش، ووصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة في 26 رمضان 193 هـ، ورحّب بها أهل مصر، واستقرت بها 15 عاما.
وبعد وفاة السيدة نفيسة، أراد زوجها أن يحملها إلى المدينة المنورة كي يدفنها بالبقيع، فعرف المصريون بذلك فهرعوا إلى الوالي عبدالله بن السري بن الحكم، واستجاروا به عند زوجها ليرده عما أراد فأبي، فجمعوا له مالا وفيرا وسألوه أن يدفنها عندهم فأبي أيضا، فباتوا منه في ألم عظيم، لكنهم عند الصباح في اليوم التالي وجدوه مستجيبا لرغبتهم، فلما سألوه عن السبب قال: "رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم".
بناء المشهد النفيسي ومراحل تجديده
جاء في خطط المقريزي أن أول من بنى علي قبر السيدة نفيسة هو عبيد الله بن السري والي مصر من قبل الدولة العباسية، ثم أعيد بناء الضريح في عهد الدولة الفاطمية، حيث أضيفت له قبة، ودون تاريخ العمارة علي لوح من الرخام وضعت علي باب الضريح وتبين اسم الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وألقابه.
أعيد تجديد هذه القبة في عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله بعد أن حدثت فيها بعض التصدعات والشروخ، كما جرى كساء المحراب بالرخام سنة 532هـ (1138م)، إلى أن أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون أن يتولى نظارة المشهد النفيسي الخلفاء العباسيون.
وكان أول من تولى النظر عليه هو الخليفة العباسي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر ابن المستكفي وهو من بقايا العباسيون الذين هاجروا إلى مصر بعد أن قضي عليهم المغول سنة 656هـ (1258م).
وجدد المشهد النفيسي في عصر العثمانيين في عهد الأمير عبدالرحمن كتخدا وبني الضريح علي هذه الهيئة الموجودة عليه الآن، والمسجد له مدخل للرجال ومدخل للنساء وحديثا جرى تجديد المدخل وفرشه بالرخام الفاخر، وفي داخل المسجد ممر طويل يصل إلى المقام الشريف.
وفي هذا الممر يوجد لوحات مرسومة رائعة حب أهل البيت، وبعض الأشعار الرائعة في مدح أهل البيت، كما جُددت المقصورة النحاسية الموجودة بالضريح في عهد والي مصر عباس الأول.
تعليقات الفيسبوك