م الآخر| أم كلثوم.. أم الوطنيين
هي أم الشعب، وأم الشرق، وأم الشجن، وأم الشمائل الشريفة الشامخة الشاهقة، هي قيثارة المجرات، أم الوطنيين العالمية، بنت طماي الزهايرة، وتاج الدقهلية.
في 4 مايو المقبل، تُعانقنا الذكرى العاشرة بعد المائة لميلاد أقوى مطربة عربية، وفي العام 1999م، أنتجوا عن حياتها مسلسلًا جميلًا، ولكن الواقع أجمل بكثير، وخاصة أننا أهل الريف، محطات حفظ القرآن الأولى في مصر يهبنا الله، أفضل صوتًا من أم كلثوم، ولكن الوساطة، والتوريث، والبعد عن القاهرة، يدفن المواهب.
ولنعرض أسباب تفوق ريحانة بيت الشيخ ابراهيم البلتاجي؛ لتكون نبراسًا لأهل الفوضى، وشباب "الفيس بوك" للتقليد، ولبناء الوطن المكسور الفريد:
التربية: حيث عندنا التربية الريفية الطبيعية النقية، القائمة على المثل، والأخلاق، والجمال، والاحترام، والحق، والواجب.
1- التدين والحداثة: لم تعتزل أم كلثوم الغناء في نهاية حياتها، كما فعل غيرها؛ لأنها كانت تقية حافظة للقرآن، وجمعت بين الطرب، والكلمة الراقية، واللحن الشريف الشيق، وصحيح الدين فلم يقدر شيخ، أو سلفي، أو غيرهم من مهاجمة أم الوطنين؛ لأن طبيعتها، وتربيتها الريفية الدينية المعتدلة، وفهما للدين، وثقافتها الرفيعة على يد أحمد رامي، جعتلها فوق الجميع، وتتحكم في عقول الجميع.
2- الكبرياء، والبطولة، والقوة، والشموخ، والذكاء، والكرامة:
حيث رفضت الزواج من خال الملك فاروق عرفيًا؛ لأن العائلة المالكة رفضت الزواج؛ لأنها فلاحة ـ والفلاحات في الواقع أجمل الستات طبعا ـ تبخر الملك وعائلته، وسُلطانه، وبقيت خالدة كوكب الشرق والغرب.
3- الالتزام الصارم بالمواعيد: وخاصة للملحنين، والعازفين، وعدم السماح بالتأخير، ولو لدقيقة عن موعد بدء العمل.
4- الإتقان بعنفوان: تكرار البروفات للوصول إلى أعلى درجة من قوة الآداء.
5- الثقافة، والقراءة: فقد قرأت الشعر العربي القديم، والحديث، وغيرت، وأضافت في بعض القصائد، فهي عبقرية شعرية، بالإضافة إلى عبقريتها الفنية.
6- الرومانسية الأسطورية: فهي عندما تطأ المسرح بقدميها الذهبيتين، يجد المستمعون أنفسهم يجلسون في حدائق أشواق ماسية، شجرها من ذهب، وثمارها ذهب.
7- الوطنية الشديدة: كانت أم الوطنين يرحمها الله، أول من تطوعت بأملاكها، وأجر حفلاتها في كل العواصم لدعم الجيش، وتسليحه، بعد النكسة، ولم تحم حولها الشبهات كغيرها بعلاقتهن بالمخابرات الغربية، والعلاقات المشبوهة بجنرالات الجيش، ورجال السلطة، والمال.
8- العلاقة السياسية الرصينة بالحكام: علاقة مودة، وتقدير، وعرفان لها بالفضل والتفوق، فقد جمعت العرب جميعًا على شواطئ أغانيها، وقد فشل عبدالناصر في توحيد العرب، وكذلك ليست علاقة المطربات الراقصات العاريات سنوات في مخادع الحكام، والحكومات.
9- الأصالة والنخوة والبطولة: فلم تنس أهلها، فكانت تزورهم، وتساعدهم، وتطمئن عليهم، وتقف مع ضعيفهم، وتعالج مريضهم، وتحنوا على أطفالهم.
كل هذه الأسباب جعلت بنت بلدي الأقوى، والأتقى، والأبقى، فقد جمعت أم الوطنيين كل صفات الجمال، والالتزام، والثقافة، والدلال في شخصية واحدة فريدة لن، ولم تتوفر في غيرها، والآن تقف بنت بلدي في قصر المانسترلي بملابسها، وأوراقها، وصورها شامخة كالفراعنة، والملوك.
تقف سعيدة على النيل، التي غنت له، ولشعبه تقف فرحة بمن حولها من الشعب المصري، والعربي، والعالمي.
فهل يتعلم منها الفنانين، والفنانات؟، الحكام والحكومات، والرؤساء، والقيادات؟، الخائنين منهم والخائنات؟، الخائبين منهم والخائبات؟، الناهبين منهم والناهبات؟، المرتشين منهم والمرتشيات؟ لا لن يتعلم منها أحد.
ولأنتج شعرًا عالميًا، ولنبني وطنًا قويًا، ومستقبلًا بهيجًا للشعب المصري والعربي، أنا أحتاج الآن إلى شباب عربي جنسيته أم كلثوم، وحداثته كأم الوطنيين، التي يغسل النور، والسرور جبينها كل ليلة في متحفها الساحر، الفخم، المذهل، في قصر المانسترلي المدهش على النيل.