أشعر دائماً بضيق تجاه من يطلقون على النصوص الدرامية والسينمائية كلمة «ورق»، أرى فى هذه الكلمة تحقيراً للنص واستهانة بقيمته، على الرغم من أنه أصل أى عمل، ولولا وجود النص لما وجد العمل من الأساس، ولكنها العقدة الكامنة داخل العديد من عناصر الصناعة بداية من المخرج والمنتج الفنى والممثلين، الجميع يرون أن دور المؤلف ينتهى بمجرد تسليمه للنص، وبعدها يفعلون بالنص ما يحلوا لهم تحت داعى أنهم يجرون بعض التعديلات لكى يناسب النص ذوق الجمهور والمشاهدين، هناك مؤلفون يحترمون أنفسهم ومهنتهم ويرفضون التفريط فى نصوصهم إلا لمن يحترمها، وهناك مؤلفون آخرون يضعون نصوصهم تحت أحذية النجوم والمخرجين والمنتجين ليرضوا عنهم ويستمر العمل بينهم، وللأسف أصبح هذا هو النموذج الأكثر انتشاراً وتأثيراً فى الدراما خلال السنوات الماضية، بالطبع هناك فئة قليلة تحافظ على قدسية المهنة وتحارب من أجل أن تظل صورة المؤلف كما عرفناها عن نجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة وبشير الديك ومحمد جلال عبدالقوى وغيرهم الكثيرون الذين جعلوا للكلمة والنص قيمة وقدسية لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.. ولكن دعونا نتكلم عن أصحاب نصوص هذا الوقت، الذين يفشلون فى تقديم نص واحد ينجح فى جذب نظر المشاهدين وجعلهم يتعلقون به خلال 30 حلقة، فهذه الفترة أصبحت جميع الأعمال الدرامية تتراوح أوقاتها ما بين 24 دقيقة إلى 30 دقيقة، بعد أن كانت فى الماضى لا تقل عن 45 دقيقة، أى إن زمن الحلقة وصل للنصف تقريباً، وهو ما جعل عدد مشاهد المسلسلات تتراجع من 1200 مشهد وأكثر إلى أقل من 700 مشهد، وأعتقد أن هذا حدث لظروف الإنتاج وتقليل النفقات، ولكن للأسف مع هذا لم تتطور النصوص، ولا نزال نعانى من المط والتطويل فى أعمال مدة حلقاتها لا تتجاوز نصف الساعة، فهل نستطيع أن نطلق على هؤلاء مؤلفين، وعلى ما يقدمون نصوصاً درامية؟ لا أعرف من قرأ نصوص «رجالة البيت» و«عمر ودياب» و«فرصة تانية» «ونحب تانى ليه؟» و«لما كنا صغيرين»، هل لم يلحظ نجوم هذه الأعمال ومخرجوها ومنتجوها الفنيون أن هذه الأعمال بها مط وتطويل، وأن مؤلفى هذه الأعمال لا يستطيعون الحفاظ على إيقاع عمل درامى لا تتخطى عدد ساعاته الـ15 ساعة درامية؟! كيف سمح لهذه الأعمال بأن تخرج للنور وهناك مئات النصوص وعشرات الكتاب يمتلكون نصوصاً أفضل؟ يجب أن نتدارك الأخطاء حتى لا نكررها، فنحن لا ننكر أن مستوى الأعمال الدرامية هذا العام أفضل من العام الماضى، ولكننا نطمح فى أن يأخذ جميع المؤلفين فرصة مثل التى حصل عليها أصدقاؤهم هذا العام، نريد أن نرى أعمالاً متنوعة بين السير الذاتية المصرية والدراما الاجتماعية الحقيقية، والدراما الرومانسية والدراما الصعيدى و«السيناوى»، نريد دراما تعبر عن جميع طبقات الشعب وتعلم أولادنا الخير وتصرفهم عن الشر، ولنا فى مسلسل «الاختيار» عبرة، كيف نجح وأثر فى سلوك الناس فى أقل من شهر، الموضوع ليس بكل هذه الصعوبة، الموضوع يحتاج نظرة عادلة للجميع ولجنة قراءة كبيرة تضم أكبر الأسماء فى مجال التأليف والإخراج والنقد الفنى والصحافة، لتقييم الأعمال المرشحة للإنتاج، وأعتقد أن هذه الخطوة ستكون مفيدة للصناعة وللإعلام والمشاهدين على حد سواء..
لا يوجد أحد بمفرده يستطيع أن يحدد إنتاج عمل درامى من عدم إنتاجه.. المسألة فى غاية الصعوبة، وأذواق الجمهور تتغير بين يوم وليلة، وما يتفاعل معه المشاهدون اليوم يهاجمونه غداً، وهو ما يستوجب اللجوء للجان قراءة متنوعة الفكر والخبرات والأعمار، لمعرفة إذا ما كان الورق الذى بين أيدينا مفيداً للمجتمع والمتلقى من عدمه، قطاع الإنتاج فى عهده الذهبى، تحت قيادة ممدوح الليثى، لم يأخذ قراراً بمفرده بإنتاج أى عمل، كانت هناك لجان قراءة من كبار الفنانين والمخرجين والكتاب والصحفيين الكبار، ومن هنا صنع قطاع الإنتاج عصره الذهبى بمسلسلات وأعمال لا نزال نتابعها بعد 40 عاماً من إنتاجها.. أعلم أن المهمة صعبة وثقيلة، والمسئولين عن الإعلام تحملوا فوق طاقتهم خلال السنوات السابقة، ولكننى أرى أن قطار التصحيح انطلق ولن يوقفه أحد.. وأتمنى أن يطول التصحيح جميع عناصر الدراما بداية من النص وصولاً للعرض.