علا الشافعي تكتب: هل كتب على السينما المصرية أن تظل لقيطة؟
علا الشافعي
رغم أنّ العين تعتاد المشاهد، وكذلك العقل الذي يختزنها، ولكن في كل مرة أمر فيها على شوارع منطقة وسط البلد، وأجد السينمات مغلقة أبوابها بالأقفال والجنازير، وأفيشات لأفلام قديمة عرضت على مدار الأشهر التي سبقت "جائحة كورونا"، أشعر بحالة من الحزن العميق يصعب اعتيادها.
هنا كانت تصطف الطوابير لشباب وفتيات من أعمار مختلفة، بعضهم ترك المدرسة أو الجامعة ليحضر حفل العاشرة صباحا أو الواحدة ظهرا، ذلك العجوز الذي بات وجهه محفوظا بالنسبة لي، فهو عاشق للسينما، ويحرص على متابعة كل جديد. هنا كان بعض النجوم ينظمون العروض الخاصة لأفلامهم، طوابير مواسم الأعياد والصيف.
تلك الدار تحمل الكثير من الذكريات، حيث إنني كنت أحرص على حضور الأفلام بها، وأمر أمام سينما كريم فأجد الأقفال والجنازير تخنق بابها الأبيض الذي كان دائما مفتوح لاستقبالنا في مناسبات وايام مختلفة منها "أيام القاهرة السينمائية و"بانوراما السينما الأوربية". رغم الزحام يبدو الشارع ساكنا صامتا وكأنّه يفقد روحه يوما بعد يوم.
أعتقد أنّ هذا المشهد أصاب غيري، مثلما أصابني، بالحزن والخوف على صناعة السينما المصرية، التي يتأكد لي يوما بعد يوم أنّها باتت صناعة لقيطة، لا تجد من يهتم بها حقا أو يفكر في تبعات الأمور لو استمرت حالة الإغلاق لشهور مقبلة، ماذا عن شاشات العرض، ماذا عن شكل الإنتاج، ماذا عن الأفلام التي تم تصويرها والانتهاء منها ولا يعرف صناعها موعدا لعرضها في السينمات؟.
تساؤلات كثيرة تمر في الذهن دون أن نجد لها إجابات واضحة، أعرف أنّ هناك غرفة صناعة السينما، تضم منتجين وموزعين مهمين، وأعلم تماما أنّ هناك الكثير من اللجان المشكلة في وزارة الثقافة والتي من المفترض أنّها منوطة بمشاكل صناعة السينما، تلك الصناعة الحائرة التي كانت تتبع وزارة السياحة ثم وزارة السكان، ولا يسأل أحد عن العلاقة بين السينما وتلك الوزارات لأنه منذ أن عملت في الصحافة الفنية، وتحديدا ملف السينما، وأنا أسمع عن تلك الأزمة، وأغطي وأشارك في مؤتمرات وندوات تحمل عناوين من نوعية "أزمة صناعة السينما، تعديل القوانين هو البداية، صناعة السينما بلا قوانين فعلية تخصها ومنظمة لها"، ولم أنس يوما المؤتمر الكبير الذي نظمته مؤسسة الأهرام في منتصف التسعينات، وشارك فيه كبار منتجي ومخرجي وكتاب وبعض نجوم السينما المصرية، ووقتها تحدث النجم الكبير محمود حميدة عن أنّ الأزمة ستظل قائمة، وستتأزم الأوضاع لأنها بالأساس أزمة قوانين.
وحتى القرار الذي أصدره المهندس إبراهيم محلب رقم 1594 لسنة 2015 الخاص بنقل الأصول كان قرارًا غير محددًا للمدة التي يجب أن يستغرقها الفصل، كذلك اشترط القرار عودة هذه الأصول إلى وزارة الثقافة رغم أنّها كانت وما زالت تحت إشرافها، بمعنى أنّ "مَن يملك لا يدير ومَن يدير لا يملك" فقطاع الاعمال منذ إنشائه لم يمتلك الأصول، بل كان يديرها فقط/ وما زال هناك خلط بين الأصول المحاسبية والمالية والعاملين، مشيرًا إلى أنّ القرار تم من جهة واحدة ووزارة الثقافة لا زالت في سبات عميق.
والمفارقة أنّه رغم صدور قرار المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء في 18 فبراير 2016 أيضا بإنشاء الشركة القابضة للصناعات الثقافية والاستثمار التي يفترض بها إدارة أصول وصناعة السينما، إلا أنّ القرار ما زال حبرًا على ورق، وملف صناعة السينما متخم بالأوراق والقرارات التي لم تفعل، وأيضا القوانين التي لم تعدل.
ولا أعرف ماذا ينتظر السينمائيون في ظل أزمة كاشفة مثل التي نمر بها، وفي ظل التطورات التي تشهدها الصناعة، والتي بالتأكيد بات يصعب أن تنظمها القوانين السابقة بعض الدول الاوربية أعلنت أنّها ستعيد فتح دور العرض والشاشات في أواخر يونيو الجاري مثل فرنسا، وهناك من سبق فرنسا بأيام وأسابيع، ولكن هذه الدول لم تقف مكتوفة الايدي، فدور العرض تم إعادة تنظيمها بما يتماشى مع الإجراءات الاحترازية وضرورة التباعد الاجتماعي.
ماذا عن التفكير في ضرورة إنتاج أفلام تناسب العرض على المنصات الإلكترونية؟، هناك الكثير من الأفكار التي يجب مناقشتها من أجل صناعة السينما بفرض أنّ هناك من يهتم.
الحديث عن صناعة السينما والترفيه لا يمثل ترفا بحال من الأحوال، فهي صناعة تدر الملايين من الجنيهات، فصناعة السينما الأمريكية تدر دخلا يقدر بنحو 101 مليار دولار، وتوفر 2.5 مليون وظيفة في مجال الترفيه المرئي والسمعي، وتوفرًا أجورًا تقدر بقيمة 181 مليار دولار، وخسائر السينما المصرية في الشهور الماضية تتجاوز 300 مليون جنية مصري.
ملف السينما المصرية يحتاج إلى الكثير من النقاشات والتحرك بعيدا عن "التربيطات "والمصالح، تحتاج لمن يرغبون فقط في الحفاظ على ما تبقي من صناعة السينما، ويعملون على وضع مستقبل لواحدة من أقدم الصناعات المصرية التي تدر دخلا.