عرضنا فى المقال الأول الأسباب التى أدت إلى تسرب الأطباء وكذلك عزوف عدد كبير من الأطباء الجدد عن الالتحاق ببرنامج الزمالة الذى بدأته وزارة الصحة. وفى هذا المقال نحاول وضع مقترحات موضوعية وقابلة للتنفيذ للحفاظ على القوة الحالية من الأطباء، وزيادة أعداد الملتحقين بكليات الطب فى المستقبل القريب.
أولاً: إجراءات عاجلة بغرض معالجة الأسباب التى أدت إلى تسرب الأطباء من وزارة الصحة:
ربما تمثل الأزمة الحالية لفيروس كورونا المستجد الفرصة الذهبية لتطوير منظومة الصحة المصرية، فقد أصبح الرأى العام مؤهلاً وداعماً لزيادة الإنفاق على الصحة بصفة عامة والأطقم الطبية بصفة خاصة.
ويمكن البدء فى مناقشة عدة قوانين واتخاذ عدة إجراءات تساعد على تحسين بيئة العمل للأطباء وهيئات التمريض، أهمها:
١- زيادة دخول الأطباء والتمريض:
من غير المقبول أن يظل دخل الطبيب والممرضة المصرية من بين الأدنى على المستوى العالمى. ولا بد من زيادة الدخل، خاصة بين صغار الأطباء. ويجب على الحكومة ومجلس النواب اتخاذ اللازم لكى يصبح دخل الطبيب مجزياً ويكفل له حياة كريمة.
٢- تحسين بيئة العمل داخل المستشفيات:
لا بد أن يشعر الأطباء والتمريض بالأمان وهم يمارسون مهنتهم، فلا يمكن أن تكون الأطقم الطبية عرضة للإهانة (بالقول أو بالفعل) من أهالى المرضى أو من أعضاء المجالس النيابية أو المحليات. لا بد من تغليظ عقوبة التعدى على الأطقم الطبية وتقنين الإشراف على المستشفيات وحصره فى لجان مراقبة الجودة للخدمة الصحية.
٣- إنشاء المجلس الطبى العام لتنظيم العلاقة بين الطبيب والمجتمع، والانتهاء من قانون المساءلة الطبية وأن تكون مساءلة الأطباء أمام لجان فنية وحسب القانون المدنى وليس الجنائى. وأن يتم التأمين على الأطباء ضد أخطاء المهنة، كما هو متبع فى معظم دول العالم.
ثانياً: نظام معتمد للدراسات العليا والتعليم الطبى المستمر:
ربما يكون السبب الرئيسى لعزوف صغار الأطباء عن العمل فى مستشفيات وزارة الصحة هو عدم وجود برنامج تدريب موحد للدراسات العليا، وعدم وجود نظام تعليم طبى مستمر. وأعتقد أن الوقت قد أصبح مناسباً الآن أكثر من أى وقت سابق لتوحيد نظام التدريب لجميع الأطباء (جامعة وصحة وجيش وشرطة)، وإلغاء نظام الماجستير واستبداله بشهادة مهنية واحدة (سواء كانت تحت مسمى البورد أو الزمالة)، وأن يكون هناك مجلس علمى لكل تخصص طبى على غرار الكليات الملكية فى إنجلترا أو المجالس العلمية المتخصصة فى دول الخليج العربى. وأعتقد أن هناك توجيهات رئاسية بذلك وأن هناك مداولات فى مجلس النواب والمجلس الأعلى للجامعات ونقابة الأطباء لتحقيق ذلك.
ثالثاً: افتتاح كليات طب جديدة:
يوجد حالياً ٣٠ كلية طب (٢٣ حكومية و٦ خاصة وكلية طب القوات المسلحة)، تستوعب قرابة ١٠ آلاف طالب سنوياً. ولزيادة أعداد المقبولين لدراسة الطب يلزم إنشاء كليات طب جديدة، حيث إنه من الصعب أن تزداد الأعداد فى نفس الكليات الحالية، وهى محملة بأعداد أكثر من طاقتها الاستيعابية.
ويمكن إنشاء كليات طب حكومية وأهلية وخاصة فى وقت قصير ودون زيادة الأعباء المالية على الحكومة من خلال:
١- إنشاء كليات طب حكومية فى كل المحافظات التى لا يوجد بها كليات طب مثل العريش ودمياط والوادى الجديد والبحر الأحمر والبحيرة. ويمكن أن تبدأ فى وقت قريب كفرع لأقرب جامعة حكومية فى نطاقها الجغرافى، وأن يتم التدريب فى مستشفيات وزارة الصحة المركزية والعامة، وهو ما كان متبعاً عند إنشاء كليات الطب الحالية.
٢- إنشاء أفرع جديدة لكليات الطب الحكومية فى المراكز والمدن الجديدة (مثل فرع فاقوس التابع لجامعة الزقازيق، وفرع دكرنس التابع لجامعة المنصورة).
٣- إنشاء كليات طب فى الجامعات الأهلية الجديدة (المنصورة الجديدة والعلمين الجديدة والجلالة وسيناء).
٤- إنشاء كليات طب خاصة جديدة حسب مواصفات جودة لا تقل عن مثيلاتها فى الجامعات الحكومية. وقد أصبح ذلك ممكناً بعد موافقة الدولة على تدريب الطلاب فى مستشفيات وزارة الصحة بعد رفع كفاءتها لتصبح مناسبة للتدريس والتدريب الطبى.
وللحديث بقية عن تعظيم الاستفادة من الأعداد المتاحة من الأطباء، وإعادة هيكلة المنظومة الصحية لتكون أكثر تكاملاً وتناغما لتحقيق الأمن الصحى لكل المصريين.