احتجاجات وأعمال عنف في لبنان.. والحكومة تواجه تحدي فرض هيبتها الأمنية
احتجاجات شمال لبنان
شهد لبنان احتجاجات مستمرة مترافقة باضطرابات وأعمال عنف، في العاصمة بيروت ومدينة طرابلس، مساء أمس، على خلفية تدهور حاد للأوضاع الاقتصادية في البلاد لا سيما أزمة الليرة اللبنانية التي فقدت 70% من قيمتها وغلاء المعيشة، ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون، لانعقاد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع اليوم، لبحث الأوضاع الأمنية في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد.
ويتولى المجلس الأعلى للدفاع في لبنان وضع الإجراءات اللازمة لتنفيذ السياسة الدفاعية للبلاد بمعرفة مجلس الوزراء، وتوزيع المهام الدفاعية على الوزارات والأجهزة المعنية في الدولة، ويرتبط انعقاد جلسات المجلس في العادة بحالات الاضطرابات والخطر التي تتعرض لها البلاد بحسب ما ذكرته وكالة أنباء الشرق الأوسط.
وأكد رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، أن أعمال العنف والشغب والتخريب التي شهدتها العاصمة بيروت ومدينة طرابلس "شمالي البلاد"، خلال الأيام الماضية، تمثل كارثة، مشددا على أنه لن يقبل مطلقا بهذه الاستباحة للشوارع وأملاك الدولة وممتلكات اللبنانيين ومحاولة ضرب الاستقرار الأمني وتهديد البلاد.
جاء ذلك خلال الاجتماع الأمني المالي الذي ترأسه رئيس الحكومة اللبنانية، صباح اليوم، بحضور عدد من الوزراء، والنائب العام، وقائد الجيش اللبناني، وحاكم مصرف لبنان المركزي، ومجلس إدارة جمعية مصارف لبنان، ومجلس نقابة الصرافين، وقادة ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية في لبنان، لاستعراض الأوضاع الأمنية وجهود ضبط سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية.
وقال دياب: "أنا مُصرّ على أن تقوم كافة المؤسسات الأمنية والسلطة القضائية، بإلقاء القبض على كل شخص شارك في ارتكاب هذه الجرائم، سواء ببيروت أو بطرابلس أو في أي منطقة، إذا لم يتم توقيف هؤلاء الأشخاص، فلا معنى لوجود الدولة برمتها، والزعران البلطجية عملهم التخريب ومكانهم السجن".
وتطرق رئيس الحكومة اللبنانية إلى تطورات ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي، حيث اعتبر أن ما يشهده لبنان منذ نحو 10 أيام في هذا الملف "يتجاوز حدود المنطق"، مشددا على أن الإجراءات التي جرى الاتفاق عليها يوم الجمعة الماضي في مجلس الوزراء، ودخلت حيز التنفيذ، يفترض أن تمنع أي محاولة تلاعب جديدة بسعر الدولار، والبدء بتخفيض السعر تدريجيا.
وأوضح أن الحكومة اتخذت التدابير اللازمة "مع سوق الصرافين" وأن التقارير أفادت بوجود تدفقات دولاريه في السوق بحدود 10 ملايين دولار في يومين، غير أنه في اليوم الثالث ، قبل وقوع الأحداث الأخيرة، لم تتجاوز حجم حركة المبيع أكثر من 100 ألف دولار، على نحو يقطع بوجود أمر غريب وغير منطقي.
وأضاف: "بعدها استمر فقدان الدولار بشكل شبه تام، وارتفع الطلب وكأن هناك من قرر العودة للمضاربة على السعر، ولهذا يجب أن يكون هناك تحقيق في هذا الموضوع، وأنتم هنا كل الأجهزة، أفترض أن عندكم أجوبة لما حصل، لأن هذا الأمر يتكرر، وأنا قلت سابقا أن اللعب بلقمة عيش الناس لن نسكت عليه".
وتابع دياب: "رواتب الموظفين والعسكريين أصبحت لا تساوي شيئا، والأسعار ترتفع بشكل جنوني، مسؤولياتنا أن نحمي مرتبات الناس ولقمة عيشهم، لذلك يجب ألا يمر هذا الموضوع وكأن شيئا لم يحدث، نريد تحقيقا كاملا، أمنيا وقضائيا، فلا يجوز أن يكون هناك جريمة ولا يوجد مجرم، إلا إذا كان الذي حدث شيء عادي، وأنا شخصيا مقتنع وعندي معطيات معينة، أن ما حصل كان بفعل فاعل".
وتطرق المجتمعون إلى الآلية التي أقرها مجلس الوزراء مؤخرا بشأن تخفيض سعر صرف الدولار وإعطاء الصلاحيات للمعنيين لتنفيذها، وجرى الاتفاق على إنشاء غرفة عمليات في المديرية العامة للأمن العام لمتابعة الموضوع.
من جهته، أكد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه، التزام البنك المركزي بضخ الدولار في الأسواق، كما جرى تأكيد التزام الصرافين المرخصين بشروط النقابة وتسليم الدولارات لهم من قبل مصرف لبنان المركزي لمنعها من الوصول إلى المضاربين أو تهريبها إلى الخارج.
ومن جانبه طالب النائب ادكار طرابلسي وزير الداخلية اللواء محمد فهمي، "على أثر تزايد أعمال العنف والاعتداءات على الناس والأملاك، إعادة العمل بالقرار" 1024/2006" الصادر عن وزارة الداخلية والذي يحترم حق التظاهر، كمظهر من مظاهر الديمقراطية، على أن يتقيد باحترام الحقوق والقوانين النافذة، ويقضي في الوقت عينه بأخذ العلم والخبر الخطي المسبق لإقامة أية مظاهرة او تجمع أو اعتصام، على أن تكون هناك جهة مسؤولة عن تنظيم هذه التظاهرة تعلن سبب الدعوة للتظاهر وشعاراته ومكانه وزمانه وتتعهد بتحمل المسؤولية الكاملة عن أي ضرر تسببه المظاهرة للأشخاص وللممتلكات الخاصة والعامة".
وأدان "طرابلسي" في بيان، "أعمال الإرهاب والتخريب والإحراق والإعتداء على الأملاك الخاصة والعامة والشغب والتهديد والقتل والتحريض الطائفي وإهانة المقدسات والكرامات وتعريض السلم الأهلي وقطع الطرقات وتعكير الطمأنينة العامة وتأليب عناصر الأمة على بعضها".
وطالب "بالتشدد بمنع التظاهرات التخريبية واعتبارها تجمعات شغب والتعامل معها كجرائم يعاقب عليها قانون العقوبات، لا سيما المواد" 345 و346" منه، وإنزال العقوبات بمسببيها، وذلك صونا للسلم الأهلي وحفاظا على حقوق الناس".
ونبه إلى أنه "في حال عدم إيقاف تظاهرات الشغب هذه سيلجأ الناس للأمن الذاتي لحماية أملاكهم وأعراضهم وأنفسهم ومناطقهم، الأمر الذي قد يقود الى حرب أهلية يسعى إليها العدو ومحركو هذه التظاهرات".
وناشد وزير الداخلية: "حمل ملف أصحاب الأملاك المتضررة الى مجلس الوزراء ورئيسه لتكليف الهيئة العليا للإغاثة، أو بلدية بيروت، بالتعويض عليهم، مع الإشارة إلى أن شركات التأمين لا تدفع أية تعويضات عن أضرار حوادث الشغب".
في سياق متصل، أفاد ناشطون في مدينة طرابلس، شمالي لبنان، أمس، بأن مجموعة من الشبان حطمت عددا من المحال التجارية، والمطاعم ومتاجر المواد الغذائية في المدينة.
وقال ناشطون بالاحتجاجات الشعبية في طرابلس، إن من يقوم بهذه الأعمال "مجموعات منفصلة عن المجموعات المشاركة في المسيرات والاحتجاجات بحسب ما ذكرته شبكة " سكاي نيوز".
وتظهر لقطات فيديو قيام مجموعة من الشبان على دراجات نارية بتحطيم بعض المحال التجارية في المدينة، وسط حال من الفوضى، ووصف بعض الناشطين الوضع في المدينة بـ"الدقيق".
وبدوره قال رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي عبر تويتر إن "ما يحدث في طرابلس من تعدّ على الأملاك العامة والخاصة أمر خطير جدا ويقتضي من الجيش والقوى الأمنية الحزم والتشدد إلى اقصى الحدود في ضبط هذه المجموعات، التي تعبث بأمن المدينة وتروّع أهلنا وتعتدي على أرزاق الناس"، وفق تعبيره، ولفت ميقاتي إلى أنه سيصدر موقفا موحدا من التطورات، بعد التشاور مع القيادات في المدينة.
وشهدت طرابلس مساء أمس احتجاجات في ساحة النور وسط المدينة، رفعت خلالها شعارات ضد السياسات المالية وسياسات الحكومة.
وأكد الناشطون على سلمية تحركاتهم، وسط انتشار أمني في محيط ساحة النور، فيما جال العشرات في مسيرات على منازل السياسيين في المدينة منددين بأدائهم.
وعاد لبنانيون للتظاهر، قبل أيام، في وسط بيروت ومدن أخرى، احتجاجا على أداء المسؤولين في مواجهة الانهيار الاقتصادي، وتعبيرا عن الغضب إزاء الطبقة السياسية.