انشغل الرأى العام المصرى فى الآونة الأخيرة بمجموعة من الفيديوهات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى، الصادرة عن بعض الأشخاص فى دولة عربية شقيقة، والتى تسىء لكل ما هو مصرى، ووصلت بهم الدناءة والحقارة إلى التطاول على أم الدنيا. وفى اعتقادى أن هذه التصرفات ليست عرضية، ولم تحدث من قبيل المصادفة، وإنما تندرج ضمن ما يطلق عليه «الجيل الرابع من الحروب». ويعبّر هذا المصطلح عن تجاوز المفهوم العسكرى الضيّق للحرب إلى المفهوم الواسع، حيث تُستخدم وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى، بهدف إنهاك الخصم وتدميره بشكل منهجى، وتشتيت الرأى العام، حتى يتمكّن العدو من تحقيق أهدافه وتحطيم الخصم تماماً. وهذه الحروب لا تستهدف تدمير القدرات العسكرية فحسب، وإنما تعمل على نشر الفتن والقلاقل وزعزعة الاستقرار وإثارة الاقتتال الداخلى أيضاً. وفى مواجهة هذه النوعية من الحروب، يلزم إعداد الاستراتيجية المناسبة، بما يكفل تفادى الآثار الكارثية لها. وعماد هذه الاستراتيجية من وجهة نظرى هو رفع مستوى الوعى الجمعى لدى عموم المواطنين. فما دام السلاح ناعماً غير خشن، متمثلاً فى بث الشائعات ونشر الأخبار والمعتقدات الزائفة والتشكيك فى الثوابت الوطنية، فإن الحل يكمن فى تقوية الشعور الوطنى ورفع مستوى الوعى المجتمعى فى مواجهة هذه الحملات المسمومة.
لقد انبرى بعض المواطنين الشرفاء إلى الرد على الفيديوهات والمنشورات المسيئة، بدافع من الغيرة والحمية الوطنية. وإذا كان هذا الغضب الوطنى مفهوماً ومحموداً، فإن الرد قد يؤدى إلى نتائج عكسية تخدم –بشكل غير مقصود بالطبع– مصالح العدو، من خلال الإضرار بعلاقات مصر مع محيطها العروبى القومى أو بعلاقاتها على الصعيد العالمى. وما أعنيه هنا أن الرد فى بعض الأحيان قد تجاوز الشخص المسىء ذاته إلى غيره من بنى جلدته. وهنا أود التنبيه إلى أن هؤلاء الأشخاص الذين أساءوا إلينا وإلى مصرنا الحبيبة لا يمثلون إلا أنفسهم والجهات التى تقف وراءهم، ولا يمثلون بأى حال من الأحوال الدول التى ينتمون إليها بجنسياتهم ولا تهمهم مصلحة بلادهم. ومن ثم، فإن الرد ينبغى أن يتجه إليهم فقط، ولا يتجاوزهم إلى مَن عداهم من بنى وطنهم.
ومن ناحية أخرى، تعمدت فى هذا المقال ألا أذكر أسماء الأشخاص الذين صدرت عنهم الإساءات، فقناعتى الشخصية هى أنه لا ينبغى تعريف الناس بهم والمساهمة فى شهرتهم وترديد الناس لبذاءاتهم. إن مثل هذه البذاءات التى اقترنت بظهور وسائل التواصل الاجتماعى، بحيث أصبح بمقدور أى شخص أن يقوم بتسجيل فيديو ونشره على مواقع التواصل، ينبغى ألا نسمح لها بالانتشار. ففى القرآن الكريم التوجيه المناسب فى مواجهة مثل هذه الاساءات، حيث يقول المولى عز وجل: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً». وبدلاً من أن نشغل أنفسنا بالرد عليهم، أرى من المناسب أن نلتفت إلى الشخصيات المحترمة، وما أكثرها فى عالمنا العربى، التى تحفظ لمصرنا الحبيبة قدرها وقيمتها، وأن ننشر ما جادت به أنفسهم الطيبة الخيرة من أقوال ومواقف مشرفة فى حق مصر والمصريين. ومن هذا المنطلق، أجد من الضرورى ذكر بعض هذه الأسماء، مثل الإعلامى الإماراتى اللامع «أحمد اليماحى»، الذى قال بالحرف الواحد: «إن كنت عربياً ولا تحب مصر، فابحث لنفسك عن قومية أو لغة أخرى». كذلك، أدعو القراء الأعزاء إلى متابعة الأستاذة الفاضلة «عهود الشعيبى» على قناة اليوتيوب، حيث تنشر فيديوهات بديعة عن أم الدنيا، وتقوم بالترويج للمعالم السياحية والنماذج المشرفة المصرية، معرفة نفسها بأنها «كويتية وبحب مصر». ونخص بالذكر أيضاً المواطن الكويتى المحترم «محمد بن نافع القعيان الظفيرى»، والذى يعرف نفسه على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» بأنه «مواطن كويتى محب لمصر العظيمة.. الكويت ومصر خط أحمر». أما الكاتبة والناقدة الإعلامية الإماراتية «مريم الكعبى»، فأغبطها على حماسها وغيرتها الشديدة على الأمة العربية، والدفاع عنها ضد المؤامرات التى تتعرض لها من محور الشر، معبرة عن قناعاتها وإيمانها فى هذا الشأن من خلال إحدى التغريدات على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، حيث تقول: «أؤمن بأن التغيير تقوده مصر والصمود بوابته مصر». والقائمة طويلة من الشرفاء الذين يقدرون مصر وشعبها، ولا يتسع المجال هنا لذكرهم جميعاً، فهل نتغافل عنهم، وننشغل بشواخص نصنع منها أبطالاً من ورق؟!!! حفظ الله أهل الخير جميعهم من كل سوء.