نادر نورالدين: إثيوبيا تمارس السياسية التركية في بناء سد النهضة (حوار)
أستاذ الموار المائية: كل الخلافات منصبة في عدد سنوات ملء السد
حوار.. نادر نورالدين: إثيوبيا تمارس السياسية التركية في بناء السد
أعلنت مصر تقدمها بطلب لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، حول سد النهضة الأثيوبي، اليوم، دعت فيه المجلس للتدخل لتأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث "مصر وإثيوبيا والسودان"، التفاوض بحسن نية، تنفيذا لالتزاماتها، وفق قواعد القانون الدولي، من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة الإثيوبي، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية، قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق.
وقال الدكتور نادر نورالدين أستاذ الأراضي والمياه، في حواره لـ"الوطن" إنّ الخلافات المصرية الإثيوبية بشأن سد النهضة تتمثل في عدد سنوات ملء السد، فإثيوبيا كانت مصرة أنّ الملء يكون خلال 3 سنوات فقط بمعدل 25 مليار متر مكعب كل عام، وهو رقم كبير جدا على نهر صغير مثل النيل الأزرق الذي يعد كل تدفقه السنوي 49 مليار متر مكعب كل عام، وبالتالي عدد سنوات ملء السد على 3 سنوات يعني مصادرة نصف مياه النيل الأزرق، ويبقى الباقي لمصر والسودان، إذ يمثل النيل الأزرق 60% من مياه نهر النيل. وإلى نص الحوار..
ما هي أبرز الخلافات الفنية بين مصر وإثيوبيا على مدار سنوات التفاوض؟
كل الخلافات منصبة في عدد سنوات ملء السد، وإثيوبيا كانت مصرة أن يكون الملء خلال 3 سنوات فقط بمعدل 25 مليار متر مكعب كل عام، وهو رقم كبير جدا على نهر صغير مثل النيل الأزرق الذي يعد كل تدفقه والذي تبلغ تدفقاتها السنوية المائية 49 مليار متر مكعب كل عام، وبالتالي عدد سنوات ملء السد على 3 سنوات يعني مصادرة نصف مياه النيل الأزرق، بينما تصر مصر على ألا تقل عن 7 سنوات.
النقطة الثانية هي التوافق على كمية المياه في كل عام، والكمية التي تحتجزها في كل عام، وهي نسب متغيرة بالنسبة لإثيوبيا، فهذا العام طلبت 6 مليار، والعام المقبل تطلب 15 مليار.
البند الثالث هو توافق على حد أدنى من مياه النيل الأزرق يتم ضخها من سد النهضة سنويا، وتعني أنّه يتم صرفها من سعة سد النهضة، إذ يأتي النيل الأزرق لمصر والسودان في كل عام 49 مليار متر مكعب، ووافقت مصر أن تضحي بنحو 10 مليارات على أن تصل حصة مصر من المياه لـ90 مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا تصر على 32 مليار ثم تغير في الأرقام دون أن تعطي رقما صحيحا لمصر والسودان لبناء خطط اقتصادية بناء على ما تعطيه.
هل سنوات ملء الخزان هي المشكلة الوحيدة في المفاوضات أم هناك مشكلات فنية أخرى؟
إثيوبيا لا تعطي أرقاما محددة وتصر على أنّه نهر إثيوبي يحق لها ممارسة السيادة عليه، وأخذ ما تشاء وترك ما تشاء، علما بأنّ النيل الأزرق ينبع من بحيرة تانا التي تضم نحو 55 مليار متر مكعب، وبالتالي هي تأخذ حقها من النيل الأزرق مضاعفة أكثر من أي دولة، وتولد منها الكهرباء وتعطيها 100 ألف طن من الأسماء سنويا ولها كنائس تاريخية تجذب السائحين.
كما أنّها تأخذ حقها من نهر عطبرة بإقامة سد يمتلئ بـ9 مليارات متر مكعب من المياه من إجمالي 12 مليار هي كل تدفقاته، إذ إنّ نصيب المواطن الإثيوبي من المياه تبلغ 1650 مترا مكعبا، بينما نصيب الفرد في مصر 500 متر مكعب.
ماذا عن مواجهة السنين العجاف في وجود السد؟
للنيل 7 سنوات سمان و7 عجاف و6 متوسطين، وبالتالي في السنين العجاف كان يجب أن تكون الأولوية أولا في توصيل المياه لمصر والسودان ثم تخزين المياه خلف سد النهضة، وإثيوبيا تصمم على تخزين المياه أولا لتوليد الكهرباء، بينما ينبغي تقليل توليد الكهرباء بنسبة 85% فقط، وهذا رقم عال جدا وافقت عليه مصر وليس 50% مثلا، رغم أنّ مياه النيل الأزرق تنخفض إلى 30 مليار فقط بدلا من 49 مليار متر مكعب.
إثيوبيا مارست خطوات تعسفية مثل استبعاد المكتب الفرنسي بعد تقديم تقريره الأول ثم رد مؤخر رفع الأمر لرؤساء الجمهوريات، وذلك حدث مؤخرا رغم أنّه ورد في إعلان مبادئ سد النهضة في البند العاشر، حال فشل الوفود الفنية في الاتفاق يتم رفع الأمر لرؤساء الجمهوريات وهو ما رفضته إثيوبيا، أو وجود وسيط دولي في أمريكا والبنك الدولي، واتهمت بالانحياز لمصر دون مبرر.
تمارس إثيوبيا الانتقاء في المبادئ وتستبعد الكثير من البنود ورغم تضمن المبادئ عن التعويضات التي يمكن أن تصرف لثبوت حدوث أضرار جسيمة، وهناك ثبوت حدوث أضرار جسمية طلبت استبعادها وهناك خلافات عديدة في الموقف المصري الإثيوبي، وكل طلبات مصر عادلة وشطحات إثيوبيا جائرة لا تراعي أي قوانين دولية ولا قانون دولي تدعي أنّه نهر إثيوبي وليس نهرا دوليا عابرا للحدود.
كيف سيحسم مجلس الأمن الأمور الفنية؟
يحق مجلس الأمن أن يحول الملف داخل المحكمة الدولي أو البنك الدولي أو أحد المنظمات الدولي الأخرى الخاصة بالمياه مثل منظمة الأمم المتحدة للمياه لتعيين لجنة من الخبراء، للتحكيم في الخلافات لكن غالبا في هذه الأمور مجلس الأمن يدعو الدول الثلاث للعودة إلى المفاوضات بحسن نية، والتزام الوصول لاتفاق ملزم قبل أن ياخذ قراراته بعد ذلك للتحكيم.
كما يعد رفضها لمجلس الأمن تعميق الخلافات خصوصا وأنّ مصر الأقوى بين الثلاثة واثيوبيا ليست بالدولة التي تمارس مثل هذه الغطرسة، وليس لها ما يبررها خاصة أنّ جميعها المخالف حتى إعلان المبادئ الذي وافقت عليه إثيوبيا في 2015 من حقها ويخالف الإعلان الذي وافقت عليه إثيوبيا في 2015.
وإذا كان هذا نهر داخليا لماذا طلبت موافقة مصر على سد النهضة ووقعت مبادئ اتفاقية الخرطوم. إذن هذا اعترف بأنّه نهر دوليا عابر للحدود يستحق معاهدة، لكن إثيوبيا لا تلتزم بأي معاهدة مع جيرانها كما حدث في إريتريا أو الصومال أو كينيا في بناء السدود المشتركة بينهم.
ما هي الخطوات التي مارستها مصر لحل خلافات سد النهضة؟
مصر مارست أقصى درجة لضبط النفس وأقصى قدر من الصبر تجاه الطرف الإثيوبي الذي أبدى تعسفا واضحا، ولا توجد مباحثات استمرت 9 سنوات إلا بين مصر واثيوبيا منها 5 منذ إعلان توقيع المبادئ في مارس 2015 حتى لو حسبنا كثيرا للغاية في أمور تتوافق عليها الدولة الأخرى في 3 أشهر على الأكثر، لكن كون استمرار المفاوضات هكذا يؤكد أنّ إثيوبيا تطبق المبدأ التركي مع سوريا والعراق عند بناء سد أتاتورك على نهر دجلة، مفاوضات سياسية لا تنتهي ولم تقدم في المقابل إثيوبيا أي شيء لبناء الثقة مع المصريين سواء اتفاقيات منصفة وعادلة أو ضمان حد أدني من المياه دون أن يضره ضررا بالغا.
كيف نمنع وقوع سياسة الأمر الواقع؟
يجب أن تبدأ مصر ضغوطا دولية على إثيوبيا، ويجب على المجتمع الدولي أن يدين هذا التعسف الإثيوبي غير المبرر، وأمس أصدر مجلس الأمن القومي الأمريكي بيانا يتضمن أهمية أن تتفق إثيوبيا مع جيرانها على قواعد ملء وتشغيل سدها الضخم، لأنها دول منبع وليست مصب، لكنها دولة منبع ويعيش لدوتين بعدها، وهذا نوع من الضغوط لحتمية إجراء المباحثات الشريفة مع مصر والسودان بشفافية للوصول لاتفاق كامل.