"30 يونيو".. بوابة الخروج الكبير للأقباط من "فتنة الإخوان" لرحاب الوطن
أقباط خلال أحد الاحتفالات الكنسية - أرشيفية
بعد سنوات من التهميش والإجحاف بحقوقهم، جاءت ثورة لترسم مشهد "الخروج الكبير" للأقباط، مدفوعين بما مارسه عليهم نظام الإخوان خلال عامهم الوحيد في الحكم من كل صنوف التنكيل والقهر، وقررت خلاله الكنائس المصرية الخروج من الجمعية التأسيسية لدستور الإخوان غير مبالية بسياسة "العصا والجزرة" التي مارسها ضدهم التنظيم الإرهابي لإعادتهم إليها من جديد للتوقيع على دستور 2012 الذي صُبغ بالطائفية.
لم تأبه الكنيسة المصرية بالاتهامات التي حاول قادة التنظيم الإرهابي الصاقها بالأقباط خلال مظاهرات قصر الاتحادية التي تسبب الإخوان في وقوع مذبحة يومها عرفت بـ"مذبحة الاتحادية"، إذ خرج نائب المرشد وقتها "خيرت الشاطر"، في مؤتمر صحفي، عُقِد يوم 8 ديسمبر 2012 بمقر الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، ليعلن أن 80% من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية ضد قرارات محمد مرسي، الرئيس الإخواني من الأقباط، فيما قال القيادي الإخواني "محمد البلتاجي" في مظاهرات "نعم للشرعية" 11 ديسمبر 2012، أمام مسجد رابعة العدوية بمنطقة مدينة نصر بالقاهرة، إن "التقارير الرسمية تقول إن الحشد أمام الاتحادية 60% منه أقباط".
الكنيسة رفضت مهانة التنظيم وانسحبت من تأسيسية دستور الإخوان.. و"البابا" شارك في مشهد 3 يوليو
أحاطت الأزمات بالوطن من كل حدب وصوب بفعل سياسات الإخوان، وبدلا من أن يسعى التنظيم لحلها، توجه للاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لأول مرة في تاريخها، وهو الاعتداء الذي طال المقر البابوي تحت سمع وبصر العالم.
لم ترضخ الكنيسة ولم يتراجع الأقباط أمام الضغوط التي مورست عليهم قبل الثلاثين من يونيو 2013، بعدم الانضمام لتلك التظاهرات، التي وصلت إلى ذهاب السفيرة الأمريكية وقتها، آن باترسون، للكاتدرائية للقاء البابا تواضروس الثاني، يوم 17 يونيو، لاحتواء مظاهرات 30 يونيو، إذ التقت البابا يوم 17 يونيو في المقر البابوي بالكاتدرائية، لتسأل البابا عن مشاركة الأقباط في 30 يونيو، فأجاب عليها بأن "المصريين أحرار فيما يريدون، وأنه لا يوجد توجيه من الكنيسة في ذلك".
من قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، يوم 26 يونيو، وقف الرئيس الإخواني يصف علاقته بالأقباط بـ"الفاترة"، وبرر الأنبا بولا، مطران طنطا، هذا الوصف وقتها بإحساس "مرسي" أن الكنيسة لم تخضع لما يريده، فيما قال الأنبا رافائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة: "إن مرسي قال هذا لأنه قبل وصولهم للحكم كانوا يتوددون إلينا، لكننا لم نر منها شيئا على أرض الواقع، ونصنف نحن علاقتنا بالإخوان بـ(الخادعة)، فقد أرادوا أن يكسبوا أصوات الأقباط مع أنهم فيما بعد قللوا منا وحملّونا مسئولية أي شيء يحدث ضدهم".
أنصهر المصريين جميعا "مسلمون وأقباط" في بوتقة ثورة 30 يونيو، يهتفون بسقوط "حكم المرشد" وجلس البابا بجوار شيخ الأزهر في مشهد 3 يوليو لإعلان إنهاء "حكم الإخوان"، وجاء انتقام التنظيم سريعًا ضد الأقباط، قتلا وتدميرا وتنكيلا، فأشعلوا الفتن الطائفية، وأحرقوا عشرات الكنائس في 14 أغسطس 2013، إلا أن الكنيسة فوتت عليهم فرصة إشعال "حرب أهلية" في البلاد وقال البابا: "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، و"هذا ثمن بسيط لحرية وطننا، نقدمه عن طيب خاطر"، وسارعت القوات المسلحة إلى ترميم وإعادة بناء ما دمره وخربه الاخوان، وإلى إطفاء الحرائق التي أشعلها الإرهابيين في جنبات الوطن.
دولة يونيو حققت "المواطنة": أكبر تمثيل قبطي في البرلمان والحكومة.. وإنجاز أول قانون لبناء الكنائس وأكبر كاتدرائية في الشرق
آمن الأقباط ببلدهم، ساندوه وعضدوه في الخارج في مواجهة محاولات تشوية "30 يونيو"، فصححوا الصورة بأنها "ثورة شعبية ضد الدولة الدينية حماها الجيش"، وأخذ البابا يبشر بالمستقبل ويدعو كل من يلتقيه من قادة العالم لمساعدة مصر للنهوض، فلم ينطق لسانه بمطالب طائفية أو يتحدث عن مشاكل تخص الأقباط وحدهم.
ليحصد الأقباط ثمار ما زرعوا "مواطنة" حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن شعارات الماضي، فنالوا حقوقهم في دستور 2014، من الديباجة حتى أخر مادة بالدستور، حتى حينما تم تعديله في 2019 كان التمييز الإيجابي الدائم لهم في المجالس النيابية هو أحد أهدافه، فضلا عن صدور أول قانون لبناء وترميم الكنائس في مصر عام 2016، وتقنين أوضاع الكنائس والمباني غير المرخصة في كافة محافظات الجمهورية، مع إنشاء أكبر كاتدرائية في مصر والشرق الأوسط بالعاصمة الإدارية الجديدة وهي "كاتدرائية ميلاد المسيح"، ووصول أكبر تمثيل قبطي تحت قبة برلمان 2015، بـ38 مقعدًا، وفي حركة المحافظين الأخيرة في 27 نوفمبر 2019، كان نصيب الأقباط لأول مرة في عهد الجمهورية، 2 محافظين ونائب محافظ، وهم: "الدكتور منال ميخائيل محافظا لدمياط، واللواء شريف فهمي سعد بشارة محافظاً للإسماعيلية، والدكتورة جاكلين عازر عبد الحليم عازر نائباً لمحافظ الإسكندرية".
تزايد وضع الأقباط في دوائر مؤسسة الرئاسة إذ انضم إلى اللجنة الاستشارية للرئيس الكثير من العلماء والخبراء الأقباط أمثال: "الدكتور فيكتور رزق الله، الدكتور نبيل فؤاد فانوس، المهندس هاني عازر، المهندس إبراهيم روفائيل سمك، والدكتور مجدي يعقوب".
وقبل كل هذا، رسخ الرئيس عبد الفتاح السيسي لأول مرة، زيارة رئيس الجمهورية إلى الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد وحضور قداس العيد، تقليدا رئاسيا سنويا.