غادر الأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد، الأسبوع الماضى، مقعده رئيساً للمجلس الأعلى للإعلام، لكن تظل قيمته المهنية ومواقفه الجريئة تضىء سيرته وتتذكرها الأجيال.
تتغير الأنظمة والظروف والكثير من البشر، لكن ثوابت مكرم محمد أحمد راسخة كما هى، يؤمن بالدولة، ويكرس ثقافة الحوار، ويدافع عن المهنة ومبادئها حتى لو تطاول عليه الأقزام والمشبوهون والمتلوِّنون.
يبقى الأستاذ مكرم قائد هذا الجيل مع زمرة متميزة ممن تبقَّوا، يدافع بقلمه عن الحق الذى يراه، ويبادر تارةً بالحوار مع الجماعات الإسلامية فى السجون خلال فترة الثمانينات، وهو نفسه من تصدى عشرات السنين لتيارات الإسلام السياسى فى خلطهم للدين والسياسة، ورغم كِبر سنه لم يتوانَ عن فضح جماعة الإخوان الإرهابية خلال حُكمهم، ونال شرف هجوم رئيسهم عليه قبل عزله بأيام، حين اختصه «مرسى»، وسط تصفيق أهله وعشيرته، بوصلة هجوم تعكس مدى قدرة الكاتب الكبير على وجع الإخوان وهم يمتلكون كل السلطات وهو لا يملك سوى قلمه.
نعتز بالأستاذ مكرم أستاذاً مهنياً قديراً، نتعلم منه الصمود فى مهنة تموج بالتحديات، وقد كان من حسن الحظ أن تولى تأسيس المجلس الأعلى للإعلام فى عهد كان الجميع يئن فيه من القوى الإعلامية، وأصبح هناك تراجع كبير فى الصورة الذهنية لدى المصريين تجاه الإعلاميين والصحفيين، فتصدى «مكرم» لهذه الفوضى بقرارات قوية وصارمة استعاد بها قيمة المهنة، فى نفس الوقت الذى كان يدافع فيه عن الحرية بشراسة، ودخل معارك بسبب دفاعه عن القيم الأخلاقية والمهنية دون أن يمل أو يكل.
فى 11 ديسمبر 2009، كتبت مقالاً تحت عنوان «لماذا مكرم؟»، أثناء معركته على مقعد نقيب الصحفيين، وأستعيد منه بعض الجمل التى ما زلت مقتنعاً بها: «مكرم يملك ضميراً نقابياً ومهنياً يطمئن له الصحفيون.. كشخصية صادق وحاسم ومقاتل شرس.. قادر على حماية النقابة من سيطرة تيار الإخوان المسلمين وغيرهم، وفى نفس الوقت يستطيع حماية الرأى.. والرأى الآخر».
خرج «مكرم» من المجلس الأعلى للإعلام، لكن التاريخ سيسجل اسمه فى العديد من المواقف والمبادرات، وسيظل قراؤه وتلاميذه يتابعون مقالاته وآراءه الواضحة والصريحة بكل خبرته ونقائه وصرامته، وإن كان قد غادر الموقع فالاسم يبقى ويكفى «مكرم محمد أحمد».