لقد استفاد «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية حول العالم من جائحة «كورونا» فى تعزيز الأنشطة الإرهابية، لكن الخبر الجيد يكمن فى أن قدرات تلك التنظيمات ما زالت أقل من أن تسمح لها بأن تطور هجمات بيولوجية على نطاق واسع.
كان «داعش» قد انتبه مبكراً إلى إمكانية استخدام الهجمات البيولوجية، ففى العام 2018، ألقت السلطات الألمانية القبض على تونسى من المرتبطين بالتنظيم يُدعى «سيف الله»، بعدما تلقت اتصالاً من الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى إيه) حوى معلومات تفيد أنه اشترى كمية كبيرة من بذور نبات الخروع عبر «الإنترنت»، ما مكّنه من إنتاج مادة «الريسين» الشديدة السُّمية، وهى مادة يمكن أن تقتل المستهدفين بها.
أثارت هذه الواقعة قلقاً كبيراً فى الأوساط الأمنية والاستخباراتية، إذ لفتت الانتباه إلى أن «داعش» أو عدداً من المتعاطفين معه والمرتبطين به، يمكن أن يستخدموا وسائل الحرب البيولوجية كسلاح مؤثر فى معاركهم.
ومما يزيد خطورة هذه الواقعة أن «داعش» سبق أن شرح لعناصره طريقة تصنيع سم «الريسين» على «الإنترنت» بغرض استخدامه فى «إرهاب أوروبا بيولوجياً»، واصفاً إياه بأنه من السموم القوية التى لا يوجد علاج لها حتى الآن.
أدى ظهور «كورونا»، وما كشف عنه من قدرة على إنهاك بلدان العالم وإحداث الوفيات والإصابات بأرقام كبيرة، إلى إنعاش آمال أعضاء «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، وعلى عكس ما كان متوقعاً، فقد أظهر التنظيم احتفاء بالفيروس، وكأنه منحه دفعة جديدة لمواصلة أعماله التخريبية.
فى شهر مارس الماضى، أصدر «داعش» بياناً، وبثه عبر أذرعه الإعلامية، معتبراً فيه أن «كورونا» ليس سوى «عقاب إلهى للأعداء.. وعذاب مؤلم من الله للغرب، وبخاصة الدول المشاركة فى عمليات عسكرية ضد المجاهدين».
لقد جدد «كورونا» طموحات «داعش» بعد الضربات الموجعة التى تلقاها، وحاول أن يسخّر الفيروس الخطير لخدمة أهدافه الدعائية والميدانية، ووفق «مجموعة الأزمات الدولية»، التى تخصص جهوداً لمتابعة أنشطة التنظيم؛ فقد ظهرت «نبرة شماتة» واضحة فى خطابه عبر افتتاحية صحيفة «النبأ» الناطقة باسمه، قبل ثلاثة شهور، حين اعتبر التنظيم أن وجود «كورونا» يؤكد «ضرورة الاستمرار» فى أنشطته وأعماله التخريبية.
ولا يستبعد مراقبون أن يحرّض التنظيم أعضاءه على نشر فيروس «كورونا» فى الدول والمناطق المستهدفة، بغرض إيقاع أضرار كبيرة فى أوساط أعدائه.
فى الوقت الذى تراجعت فيه معظم الأنشطة السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، فإن أنشطة «داعش» وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، تتواصل تحت غطاء فيروس «كورونا» فى المناطق التى يوجد فيها. فى شهر مايو الفائت، أفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن التنظيم «قرر استغلال ظروف العالم تحت وطأة (كورونا) لتصعيد هجماته، حيث نفذ أكثر من 20 هجوماً ضد الأكراد وفى مناطق دير الزور والرقة، ما أدى إلى إصابة ومقتل العشرات، كما نجح فى تهريب عناصر من سجن تابع لمخيم الهول».
وهو الأمر ذاته الذى يؤكده سام هيلر، مستشار منظمة «كريسز جروب» Crisis Group غير الحكومية المعنية بدراسة الأنشطة الإرهابية فى منطقة الشرق الأدنى، إذ يرى أن تنظيم «داعش» يكتسب قوة حقيقية مجدداً فى أكثر من منطقة من مناطق وجوده ونشاطه بالعالم، بل إن الخبير الألمانى فى شئون الإرهاب جيدو شتاينبرج، يرى فى حديث أجرته معه «دويتش فيله»، أن «داعش» لا يزال «أقوى المنظمات الإرهابية فى العالم»، وبينما يقدّر هذا الخبير أعداد عناصر التنظيم بنحو ثلاثة آلاف عنصر، يطرح البعض أعداداً تفوق ذلك بكثير، ومن ضمن هؤلاء جيمس جيفرى، السفير الأمريكى الخاص بالتحالف المعادى للتنظيم، الذى يقدّر عدد أعضائه بما يراوح ما بين 14 و18 ألفاً فى الأراضى التى ينشط فيها «داعش» فى سوريا والعراق.
وفى تلك الأراضى وحدها صعّد التنظيم من عملياته خلال شهر رمضان الماضى، لتتنوع ما بين تفجيرات وهجمات وتفجيرات انتحارية ونصب كمائن، وتؤدى إلى مقتل 37 من قوات النظام السورى والميليشيات المتعاونة معه. ويفيد «المرصد السورى لحقوق الإنسان» فى هذا الصدد أن «داعش» شن 43 هجوماً على قوات النظام السورى فى وسط البلاد و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية- العربية شرقى الفرات.
وبعيداً، فى شرق آسيا، قال رئيس المعهد الفلبينى للسلام والعنف والإرهاب، رومل بانلاوى، إنه رغم الغلق التام للبلاد إثر انتشار جائحة كورونا، فإن «داعش» استمر فى مزاولة أنشطته وبقوة، مستغلاً إجراءات الحجر الصحى ضد الجائحة؛ إذ يقوم بتجنيد الأعضاء، ونشر الأفكار المتطرفة، خاصةً فى المناطق الريفية المنكوبة التى تضررت بشدة من عمليات الإغلاق.
ولا يتوقف الأمر على قارة آسيا وحدها فى هذا الصدد، إذ يشير مؤشر دار الإفتاء المصرية إلى أن «القارة الأفريقية شهدت، فى الأسبوع الأخير من أبريل الماضى، 14 عملية إرهابية من إجمالى 24 عملية هزّت العالم، بنسبة 58 فى المائة من عدد العمليات الإرهابية، حيث ضرب الإرهاب 9 دول أفريقية هى (الصومال، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وليبيا، وتونس، والكاميرون، ومالى، والكونغو الديمقراطية)».
لم يفتّ «كورونا» فى عضد «داعش»، وغيره من التنظيمات الإرهابية، كما فعل مع العديد من المجتمعات والدول، وعلى العكس من ذلك فقد منح الفيروس تلك الجماعات أسباباً جديدة للانتعاش ومعاودة شن الهجمات، أما الأخطر من ذلك فيتعلق بلفت انتباه الإرهابيين إلى إمكانية استخدام الأسلحة البيولوجية فى شن هجمات.
زادت الأنشطة الميدانية لـ«داعش» وجماعات إرهابية أخرى بموازاة انتشار الفيروس، وتنوعت بين شن الهجمات وتهريب السجناء وبث الدعاية السوداء، ومع ذلك، فإن بعض الخبراء يقللون من إمكانية تطوير تلك التنظيمات قدرات هجومية بيولوجية مؤثرة. وكما يقول جونر جيرمايا، خبير الأسلحة البيولوجية الألمانى، فإنه من المستبعد أن ينجح الإرهابيون فى إحداث وباء عالمى، لأن هذا الأمر يتطلب مختبرات كبيرة واختصاصيين على أعلى مستوى، كما أن جهود تطويق تلك الجماعات، والتنسيق الدولى لمحاصرتها، وتوفير موارد مادية وبشرية وأنظمة إدارة أزمات وتدريبات راقية، يمكن أن تُجهض أحلام تلك التنظيمات فى شن هجمات بيولوجية.