هذا المقال أو هذه الخواطر، سمها ما شئت، هى موجهة بشكل مباشر إلى البرلمان وبعض نوابه، الذين وللأسف لا يفهمون من معنى المسئولية سوى النطق بالكلمة، فيشتطون فجأة وينطلقون بتصريحات، لا يفهمون دلالتها ولا تداعياتها، فيتسببون فى إثارة ضجة مجتمعية وأزمات، فى وقت نحتاج فيه إلى أقصى حالات التماسك والاصطفاف، فى مواجهة محاولات التعدى على الوطن وأراضيه وحقوقه وأمنه القومى.
قبل أيام، خرج علينا نواب بتصريحات عن تعديلات منتظرة على قانون العلاقات الإيجارية فى المساكن القديمة، وصاحب تلك التصريحات موجة من النشر فى مختلف وسائل الإعلام، وعلى التوازى تواترت وانتشرت أخبار عن توقيعات نواب على مذكرات لاستعجال مناقشة المشروع لإطلاقه قبل نهاية الدورة البرلمانية.
البادى أن التصريحات تضمنت فعلاً نصوصاً مقترحة للتعديل، وتصوراً لتشريع متكامل، انتشر بتفاصيله، متضمناً رؤية متكاملة لإنهاء أوضاع قائمة، تمس حياة نحو 2 مليون مستأجر بأسرهم الذين يصل إجمالى أعدادهم لنحو يتراوح بين ثمانية أو عشرة ملايين شخص، مع تأكيدات بتوقيعات نواب ستدفع بالمشروع إلى قاعة المجلس.
صاحبت هذه الدعاية لمشروع القانون جملة من الحملات المتنوعة فى المجتمع، ما بين مجموعات من أصحاب المصالح على السوشيال ميديا، ومندوبى علاقات عامة للاتصال بإعلاميين وصحفيين، لبث ونشر معلومات وأخبار وتحقيقات وحوارات عن المشروع، حتى إن البعض قام بإعداد كليبات، عن انتهاء عصر الظلم وقرب الفرج، واسترداد الحقوق السليبة، وطرد الهكسوس المحتلين.
الشاهد أن هذه التصريحات تسببت فى انزعاج غير طبيعى بالمجتمع، لأن الأمر يخص واحدة من أعقد المشكلات التشريعية ذات الأثر الاجتماعى المباشر، وسيتأثر به قطاع واسع جداً من المجتمع، وهو تشريع يرتبط بالاستقرار وبالأمن المجتمعى، وبحماية المجتمع من جملة مظاهر سلبية بالغة الخطورة، إذا ما تفكك الوضع، بفعل تشريع يحتاج لتوقيت مناسب، أكثر مما يحتاج لتوازنات ملائمة.
أقسم بالله العظيم لو رغب «الخرفان» فى دق إسفين بالمجتمع، وتفجير فتنة به، ما كانوا سيفلحون، كما تسبب البعض ممن يقفون خلف ما شهده المجتمع خلال الأيام الماضية، من ترديدات وحملات جرى تنظيمها، بفعل جماعات مصالح ساندها البعض من النواب بقناعة أو بغير قناعة، ليس ذلك مهماً، فالمهم هو دق الإسفين فعلاً.
المُدهش فى الأمر إثارة هذا الملف، فى توقيت تبذل فيه القيادة السياسية جهوداً مضنية، لتجاوز أزمة كورونا التى عرقلت نجاحات اقتصادية، وعطلت مسيرة منطلقة للتنمية، فضلاً عن قرارات وإجراءات عديدة ومتنوعة لاستيعاب التداعيات الاجتماعية، ومساندة ودعم الفئات المتضررة من الأزمة، ومساندة الصناعة الوطنية، وقطاعات السياحة والتجارة، ووسط كل هذه الجهود لضم المجتمع بكل فئاته لحضن الوطن، يخرج هؤلاء غير مهتمين إلا بمصالح شخصية، فيفجرون ألغاماً تثير الرعب والمخاوف.
المُدهش أكثر طرح هذا الملف من جانب أصحابه، فى توقيت تتركز فيه الدعوات للجميع إلى اصطفاف وطنى، فى مواجهة مخاطر محدقة بالأمن القومى وبالدولة المصرية، سواء من الغرب حيث الإرهاب المدعوم من تركيا فى ليبيا، أو من الجنوب حيث التعنت الإثيوبى المريب غير المفهوم فيما يخص سد النهضة، وهو التوقيت المثالى لجماعة «الخرفان» وأنصارها من الفوضويين وقطر وتركيا، لبث الفتنة فى المجتمع، وإثارة حملات من التشكيك والخلاف داخل المجتمع، فيأتى هؤلاء بحملاتهم لاستكمال عناصر الصورة.
لن أخوض فى تفاصيل عن مشكلة قانون العلاقة الإيجارية فى المساكن القديمة المؤجرة قبل عام 1996، وليس الوقت ملائماً للحديث عن جوانب الموضوع المتعددة، والتى أشرت لكونها بالغة التعقيد، وممتدة بجذورها فى قلب المجتمع، فهذا ليس وقتاً للنقاش فى هذا الملف، ولا لإثارة المخاوف والأزمات، بل إن سياسات الدولة، وكما هو بادٍ لكل من له عينان، تسعى إلى تحقيق تقارب أوسع بين فئات المجتمع، ومنذ بدء تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادى، تأتى السياسات متوازية بهدف مداومة الحفاظ على التوازن، من دون تفجير أزمات فى المجتمع.
ولذلك كان الاندهاش من الإصرار على التحرك لجهة فتح هذا الملف فى هذه اللحظة المتوترة من تاريخ الوطن، وهو ما فرض سؤالاً مُلحاً عن قدرات هؤلاء.. ألم ينتبهوا إلى العلاقة السلبية بين مشروعهم ومصالحهم وبين مشروع الوطن ومصالحه؟ ألم ينتبهوا إلى تداعيات ما يرددونه ويروجون له فى هذه اللحظة وتأثيراته على تماسك المجتمع واصطفاف فئاته خلف قيادته الوطنية، حتى ينطلقوا ويثيروا هذا الصخب؟
الشاهد أن بمصر مؤسسة تشريعية عتيدة ضاربة بجذورها فى قلب الوطن، مؤسسة تملك من التاريخ والخبرات ما يجعلها قادرة على استشراف اللحظة والمستقبل فيما تصدره من تشريعات، تؤكد كل الأحداث أنها على مر التاريخ كانت دوماً فى مقدمة كتائب حماية الوطن من محاولات العبث به، وعلى قمة المؤسسة التشريعية قيادة وطنية وقيمة وقامة تشريعية يُشار لها، وأثبتت خلال أحداث سابقة عدة كفاءة ووعياً، تؤكد الثقة فيها وفى المؤسسة، وفى داخل المؤسسة التشريعية أجهزة برلمانية من هيئة مكتب إلى لجنة عامة إلى لجان نوعية فرعية، تضم كفاءات وخبرات سياسية وتشريعية، تتشكل منها جميعاً منظومة قادرة على حماية المجتمع من أى سهام يطلقها البعض دون أن يدروا ماذا يصيبون وأى مخاطر يتسببون بها.
المسألة يا سادة ليست فى إثبات عدم صحة ما ردده البعض، أو إعلان المؤسسة نفى وجود تشريع أو حتى تحضيرات لعملية التشريع، إنما القصة وما فيها أن البعض يحتاج لأن يفهم معنى المسئولية المجتمعية والأمن الاجتماعى، قبل أن يتحدث.