تعبير البيت العتيق يؤكد ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أن الحرم المكى هو أقدم بيوت العبادة على وجه الكرة الأرضية، وأن الملائكة بنته من أحجار الكعبة فبقى منها حجر واحد بعد السيل العرم الذى صاحب طوفان نوح، الذى أغرق الكرة الأرضية كلها، وهو الحجر الأسعد أو الأسود ولكن السعيد من لمسه وقبله، كما قال سيدنا عمر والله أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، ويبدو أن كلمة العتيق شديد القدم لا تعنى فقط قدم عمره وإنما تعنى أيضاً أنه تقليد للبيت المعمور فى سدرة المنتهى يدخله كل يوم مائة ألف ملك، يدخلون ولا يخرجون، وهذا تفسير وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وكون الجن سبق الإنس فى الآية تأكيد أن الملائكة سبق خلقهم خلق البشر، وأن كبير الملائكة وأكثرهم تقوى إبليس اغتر بخلقه الملائكى وكثرة عبادته فظن أنه يستكبر على خالقه، فعاقبه اللَّه بأن يخرج من الجنة وينزل إلى الأرض، وعاقب آدم نفسه على طاعته لإبليس فأخرجه من الجنة وأنزله للأرض، ولكن الذى لم يتغير أن عبادة الله الواحد الأحد جزء من ناموس الكون والخلق لعبادة اللَّه الواحد الأحد، فليس الجن والإنس فقط مأمورين بالعبادة للَّه الواحد الأحد، وإنما الكون كله مسخر لعبادته، وأن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن الجن والإنس لديهم ملكة الاختيار، ولذلك لهم الثواب بالجنة يعودون إليها بعد أن أخرجوا منها، ولهم العقاب بالنار يخلدون فيها جزاء شركهم أو كفرهم بالواحد الأحد الفرد الصمد لا إله إلا هو، سورة الإسراء آية 44، وقد ذكر اسم البيت فى القرآن ١٤ مرة، منها ١٢ مرة عن البيت العتيق أو البيت فقط، فيفهم أنه البيت العتيق، ومرة واحدة عن البيت المعمور الذى سبق بناؤه البيت العتيق فى العالم الآخر، ولكنه بنى على غراره وشكله ولونه، وكأن لا فرق بين أرض الدنيا وأرض العالم الآخر التى حُجبت عنا لحين البعث، نعود إليها ثم المرة الرابعة عشرة ذكر مع آل بيت النبوة كلهم من آدم إلى نوح إلى إبراهيم إلى آل عمران لموسى وعيسى وإسحق وإسرائيل يعقوب، ثم إلى درة خاتم النبوة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، سلسال إسماعيل الذبيح ففديناه بكبش عظيم أو ذبح عظيم نزل من الجنة، سورة الصافات آية 107 { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، وقد أوردت سورة الصافات سلسلة النبوة كاملة من خلق آدم الذى وصفه القرآن بعتاب ربانى فلم نجد له عزماً!! إلى ميلاد محمد خاتم الرسل أجمعين، كان ترتيب النبوة مقصوداً فى هذه السورة، كما يتضح على مدار صفحتين من سورة الصافات، سورة الصافات آية 77 { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ}، وقد حصرت السورة أن من عاش بعد نوح من البشر بعد أن غرقت الأرض كلها والتهم الماء كل من وسمه اللَّه بالكفر إلا ذرية نوح المؤمنة، آية ٧٧، وجعلنا ذريته هم الباقين، مما يؤكد صحة ما قلناه سابقاً أن أعتى المشركين قد أغرقهم اللَّه بدعوة سيدنا نوح الذى عاش يعظهم ألف سنة إلا خمسين أى ٩٥٠ سنة! وهم رافضون وتوقف عدد المؤمنين على الأرض بعدد من آمن مع نوح، سورة هود آية 36 { وَأُوحِىّ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} وكانت هذه الآية ٣٦ فى سورة هود بلاغاً من اللَّه أن المؤمنين على الأرض توقف عددهم عند من آمن بنوح ولو ظل يدعو ١٠٠٠ عام أخرى ما آمن به آخرون، فالحكم القرآنى نزل بمنعهم من الإيمان وعدم قبول إيمانهم غضباً من اللَّه وعلماً منه سبحانه أن هناك عنصراً ثابتاً فى نفوسهم تأصل معه كفرهم من كثرة عنادهم، وكأن المثل المتداول العند يولد الكفر خير تعبير عن إصرار الكافر على كفره عناداً، رغم أنه قد علم أن الإيمان بديل جاهز وأن اللَّه يفرح بتوبة العبد فرحة من ردت إليه ناقته بعد أن ضاعت منه!
ثم إن البيت أى الكعبة قد تلقى مكانته من الله سبحانه وتعالى بأن آدم نزل إلى الأرض تاركاً جنة العالم الآخر ليعيش بقانون الكرة الأرضية، بالسعى على الرزق واختبار الإيمان باللَّه، عكس العالم الآخر بالنعيم المقيم بلا تعب أو نصب، فكان وصف اللَّه آل البيت أو آل بيت النبوة أنهم السلالة المختارة من اللَّه لتحمل تعب ونصب رسالة اللَّه إلى البشر بالوحدانية، فمنهم من مات ومنهم من أحرق ومنهم من رفعه اللَّه إليه، ومنهم من حوصر كما محمد ومن طرد مهاجراً قسراً، كما بكى الرسول على فراق مكة فكُتب على آل بيت النبوة معاناة وألم واختبارات، كما فقد يعقوب يوسف وفقد محمد إبراهيم، ولحكمة يعلمها اللَّه اجتث اللَّه ذكور وسلسال محمد صلى الله عليه وسلم، عبر معاناة مؤلمة كما حدث مع سيدنا الحسين، وسيق معظمهم لأسباب موتهم سريعاً بعد وفاة النبى حتى لا تعود قدسيتهم بالنسب سبباً فى شرك الناس مرة أخرى وهم حديث عهد بالإسلام.
البيت المعمور «كعبة أهل السماء يدخله يومياً سبعون ألف ملك»، للملائكة كعبة فى السماء السابعة يحجون إليها، هذه الكعبة هى التى سماها الله تعالى «البيت المعمور» ويقال له «الضراح»، وقد أقسم به المولى عز وجل فى قوله تعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور: 4].
وهو بيت عظيم فى السماء السابعة بمحاذاة كعبة الأرض وهو قعر عرش الرحمن، وقد رئى رسول الله سيدنا محمد مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، لأنه هو من بنى الكعبة الأرضية وذلك عندما أُسرى به إلى السماء.
وذكر أنه يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يومياً ثم لا يعودون فيه أبداً، فعن قتادة وَالبَيْتِ المَعْمُورِ ذكر لنا أن نبى الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوماً لأصحابه { هَلْ تَدْرُونَ ما البَيْتُ المَعْمُورُ } قالوا: الله ورسوله أعلم، قال {فإنّهُ مَسْجِدٌ فِى السّماءِ تَحْتَهُ الكَعْبَةُ لَوْ خَرّ لخَرّ عَلَيْها، أوْ عَلَيْهِ، يُصلّى فِيهِ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلكٍ إذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ ما عَلَيْهِمْ}.
وهذا يعنى أن كل يوم يدخله سبعون ألف ملك للعبادة فى هذا البيت المعمور ثم يخرجون ولا يعودون إلى يوم القيامة، وهذا يدل على كثرة الملائكة، وأنهم ملايين لا تحصى، ففيه يتعبدون ويطوفون كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم.
وعن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمّا عَرَجَ بِى المَلكُ إلى السّماءِ السّابِعَةِ انْتَهَيْتُ إلى بِناءٍ فَقُلْتُ للْمَلَكِ: ما هَذَا؟ قال: هَذَا بِناءٌ بَناهُ اللّهُ للْمَلائِكَةِ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، يُقَدّسُونَ اللّهَ ويُسَبّحُونَهُ، لا يَعُودُونَ فِيه».