تلفت "عزيزة بلوغ" الأنظار أينما حلت، فهي السيدة التي تسير بصعوبة شديدة في الشارع، بسبب كسر قدمها، بينما تدفع أمامها "كرسي متحرك"، تضع فيها بضاعتها من "مناديل"، "شرابات"، "ليمون"، "خيوط" وصناديق خشبية مكسورة، في مفارقة عجيبة لا تتكرر كثيرا، وكأنها تعز بضاعتها أكثر من صحتها.
الكثير من "السبح" تتدلى من عنق "عزيزة"، بينما لا يكشف خمارها القديم البني عن شعرها الفضي فقط، بل أيضا عن حال يرثى له صارت تعيشه هذه المرأة التي تقطن في عزبة "أولاد علام" بالدقي: "أنا يا بنتي حالي يصعب على الكافر، معنديش حد اتسند عليه، ولا ليا غير قول يارب، الناس بتستغرب من حالي، بسمعهم من بعيد بيقولوا، أيه الست دي!، اللي بدل ما تعد على كرسي متحرك علشان تستريح، بتزقه وتحط عليه بضاعتها، لكن لو معملتش كده هاجوع والله، أنا مقدرش أمشي بالبضاعة دي على ضهري، ولا هاستحمل بيها خطوتين، فبحطها على الكرسي وأزق شوية، ولما أتعب أشيل البضاعة وأقعد شوية".
تتوقف عزيزة عن الكلام فقد انهارت دموعها بغزارة، تمسحها بكف يدها، ثم ترفع يدها إلى السماء، داعية الله أن يسمع نداءها ويجبر بـ"خاطرها" ويرسل لها العون الذي يرحمها من الشقاء الذي باتت تعيش فيه منذ أن ضعف بصرها: "كنت زمان شغالة خياطة من البيت، كنت شاطرة، وأعرف أعمل أى حاجة بالخيط، تصليح، رفا، وساعات أزين الهدوم برسومات، لكن لما كبرت نظرى مبقاش يجيب زي الأول، و المحلات استغنت عن شغلي، والزباين معادوش يطلبوني، وكان لازم أتحرك علشان أجيب اللقمة ليا ولبنتي".
تعتز "عزيزة" بمهنتها كخياطة، لدرجة أنها علقت كيسا بلاستيكيا كبيرا به الكثير من "بكر" الخيط في طرف الكرسي المتحرك، بجانب بضاعتها من أكياس "ليمون" و"شرابات" أطفال، تبيعهم للمارة في شوارع الدقي بأسعار زهيدة: "الكرسي المتحرك ده حكايته حكاية، أنا عملت حادثة وعربية داست على رجلي، واتخيطت والدكتور قالي معداش ينفع أدوس عليها زي الأول، وأهل الخير ساعدوني وجابوا الكرسي ده ليا، وهو فعلا بقى السند ليا خلال حركتي".
يرسم الشجن ملامح "عزيزة" 65 عاما، فلا يترك ملمح في وجهها، إلا وترك بصماته عليه، بل ويظهر في صوتها، وهي تؤكد أنها لم تتوقع أبدا أن يكون خريف عمرها بهذه القسوة، بلا مورد مالي سوى ما تجنيه من بيع بضاعتها، إلى جانب يومية زوجها السبعيني البسيطة كعامل في أحد المطاعم: "أحنا عايشين في أوضة وصالة وحمام متر، واليومية بتاعة جوزي بنحوشها علشان ندفع فلوس الإيجار، والفلوس اللي بكسبها بناكل بيها أنا وبنتي وحفيدتي، لأن جوزها مش راضي يصرف عليهم، وكل اللي نفسي فيه أني استريح، وأموت مرتاحة، مش وأنا ماشية ببيع بضاعة في الشارع".
تعليقات الفيسبوك